حين أعلنت واشنطن مؤخرا، عن فرض رسوم جمركية جديدة على وارداتها من أكثر من 67 دولة، كان واضحا أن القرار يحمل أبعادا سياسية واقتصادية في آن واحد.
الأردن، رغم علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لم يكن مستثنى، لكنه نال "أفضل السيئ"، إذ تم تخفيض الرسوم الإضافية الجديدة التي كانت مقترحة على صادراته من 20 % إلى 15 %.نعم، يمكن اعتبار هذه النتيجة إنجازا تفاوضيا ودبلوماسيا لا يستهان به، خاصة إذا ما قورنت بما فرض على دول أخرى كانت منافسة للمنتجات الوطنية داخل السوق الأميركي، فرضت عليها رسوما جمركية بنسب وصلت 50 %.لكن من المهم التوضيح أن الصادرات الأردنية – وعلى رأسها الألبسة – كانت تتمتع بإعفاء جمركي كامل قبل هذا القرار، بموجب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع الولايات المتحدة العام 2000، التي دخلت حيز التنفيذ الكامل العام 2010، أي أن نسبة الرسوم الجديدة، 15 %، فرضت لأول مرة بعد أن كانت صفرا.ولولا هذه الاتفاقية، لكانت الرسوم الجمركية على الصادرات الأردنية، وصلت إلى نحو 40 %، ما يعني أن الاتفاقية ما تزال تشكل صمام أمان مهما، حتى في ظل التغيرات الجديدة.ومع ذلك، تبقى الرسوم المفروضة على الأردن الأقل، مقارنة بدول منافسة في قطاع الألبسة، مثل فيتنام، الصين، الهند، وكمبوديا، التي فرضت عليها رسوما أعلى.وهذه المفارقة تخلق فرصة أمام الأردن للحفاظ على موقعه، بل وربما التوسع في السوق الأميركي، إذا ما تم التعامل مع التحديات بمرونة وفعالية.وتشير أرقام التجارة الخارجية إلى ارتفاع الصادرات الوطنية إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، لتسجل 886 مليون دينار، مقارنة بـ865 مليون دينار للفترة نفسها من العام السابق، بارتفاع نسبته 2.4 %.وتشكل هذه الصادرات نحو 25 % من إجمالي الصادرات الوطنية، ما يعكس حجم الاعتماد على السوق الأميركي، ويبرز أهمية الحفاظ على المكتسبات التصديرية وتعزيزها.هذا الزخم يظهر متانة العلاقات التجارية، لكنه لا يضمن استدامتها في ظل التغيرات الجديدة، ما لم تتخذ إجراءات داعمة على المستوى المحلي.وتشمل أبرز صادرات الأردن إلى السوق الأميركي: الألبسة وتوابعها، الأسمدة، المنتجات الكيماوية، الأدوية، المجوهرات، المنتجات الغذائية، خدمات تكنولوجيا المعلومات والصناعات الهندسية.وتختلف هذه القطاعات في حساسيتها للرسوم؛ فبعضها يعتمد على هوامش ربح محدودة وقد يتأثر فورا، في حين يستطيع البعض الآخر امتصاص الصدمة جزئيا.الرسوم الجديدة ستؤثر على تنافسية هذه المنتجات، سواء من خلال تقليص الأرباح أو رفع الأسعار على المستهلك الأميركي، ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب.من هنا، لا بد من تحرك فعال داخليا لتقليل الكلف وتعزيز التنافسية.الفرصة ما تزال قائمة، ويمكن للأردن أن يحول هذا التحدي إلى حافز، عبر سياسات حكومية داعمة للصادرات، تشمل تخفيض كلف الطاقة، دعم أجور الشحن، وبرامج دعم للقطاعات الصناعية هذه الإجراءات تعد ضرورية لضمان بقاء المنتج الأردني قادرا على المنافسة.كما أن تعزيز البنية التحتية اللوجستية وتطوير البيئة التنظيمية، من خلال شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، يساهم في فتح آفاق جديدة للصادرات الأردنية، خصوصا في ظل التغيرات المتسارعة في الأسواق العالمية.في النهاية، الرسوم لم تلغ الميزة التنافسية للأردن، لكنها قيدتها جزئيا، والإبقاء على هذه الأفضلية يتطلب جهدا مضاعفا، واستثمارا ذكيا في نقاط القوة، وتوجها حكوميا واضحا لدعم القطاع التصديري في هذه المرحلة الحساسة.

الرسوم الأميركية.. تحديات وتفاؤل
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ