أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

عيسوة تكتب: البلديات.. دعامة لتعزيز الهوية الوطنية وتحقيق التنمية المحلية


د. ليال عيسوة

عيسوة تكتب: البلديات.. دعامة لتعزيز الهوية الوطنية وتحقيق التنمية المحلية

مدار الساعة ـ

في هذا المقال، أشارك رؤيتي الشخصية التي تشكلت عبر سنوات من العمل في الميدان، والإشراف على مبادرات مجتمعية واسعة، حول الدور المحوري للبلديات في الأردن.

إن البلديات ليست مجرد وحدات إدارية محلية، بل هي مكوّن وطني استراتيجي يمثل أحد أعمدة استقرار الدولة وتعزيز هويتها الجامعة. إننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة تعريف البلديات ليس كمزود خدمات، بل كشريك فاعل في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز التماسك المجتمعي، وترسيخ مفهوم المواطنة الفاعلة.

البلديات: هوية الدولة من القاعدة:

البلديات تمثّل الامتداد اليومي للدولة في حياة المواطن. من خلالها تُترجم السياسات العامة إلى ممارسات واقعية، وتُجسّد قيم الدولة في الأداء المحلي.
هي أقرب سلطة للمواطن، وهي المنصة التي تُعبّر عن التعدد المجتمعي في إطار وحدوي جامع. وفي هذا السياق، تُعتبر البلديات تجسيدًا للهوية الوطنية بأبعادها الاجتماعية والثقافية والتنموية.
الهوية الوطنية لا تتشكل فقط في الخطابات الكبرى، بل في التفاعل اليومي بين المواطن ومؤسسات دولته. والبلديات، باعتبارها تتعامل مع أدق تفاصيل الحياة اليومية، تُسهم في صياغة تجربة المواطنة، وترسيخ الشعور بالانتماء، وتأكيد العدالة المجالية بين مختلف المناطق.

أدوار متجددة ومسؤوليات متزايدة:

لم تعد البلديات اليوم مسؤولة فقط عن جمع النفايات أو تعبيد الطرق. بل أصبحت في مواجهة تحديات معقدة ترتبط بالنمو السكاني، وتغير المناخ، والبطالة، والتوسع العمراني غير المنظّم، وتراجع الثقة بالمؤسسات.
كل هذه التحديات تفرض على البلديات تطوير أدواتها، وتعزيز قدراتها البشرية، وتحديث آليات التخطيط، وإعادة تعريف علاقتها بالمواطن، بما يجعل منها منصة ديناميكية تعكس أولويات السكان وتشاركهم في صياغة الحلول.

البلديات والتماسك الاجتماعي:

أثبتت التجارب أن المجتمعات التي تتمتع ببلديات قوية وفاعلة، قادرة على إدارة التنوّع الاجتماعي بشكل أفضل، وتعزيز قيم التعايش والتضامن المحلي.
تلعب البلديات دورًا مهمًا في إدارة النزاعات المحلية، وخلق فرص للحوار، والتنسيق بين الفئات المجتمعية، خصوصًا في المناطق التي تعاني من تهميش أو ضعف في الخدمات.
ومن خلال المجالس المنتخبة، تُتيح البلديات فرصة للمشاركة السياسية الحقيقية على المستوى المحلي، مما يكرّس ثقافة الديمقراطية ويمنح المواطن شعورًا بالشراكة في إدارة الشأن العام.

تمكين البلديات: ضرورة وطنية:

إن التحدي الأبرز الذي تواجهه البلديات اليوم يتمثل في محدودية الموارد المالية والبشرية، وضعف الصلاحيات، وتداخل الأدوار مع مؤسسات مركزية أخرى.
ولكي تتحول البلديات إلى رافعة تنموية حقيقية، لا بد من:
1. توسيع صلاحياتها القانونية والإدارية ضمن إطار الحوكمة الرشيدة.
2. ضمان التمويل المستدام عبر تطوير مصادر الدخل المحلي، وتحفيز الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
3. تأهيل الكوادر البشرية وتطوير القدرات الإدارية والتخطيطية.
4. تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة من خلال إشراك المواطن في الرقابة والتخطيط.
5. إعادة تعريف العلاقة بين المركز والمناطق ضمن إطار اللامركزية الفعلية.

البلديات والتخطيط التنموي المحلي:

إن وجود رؤية تنموية محلية مبنية على بيانات دقيقة، وتشاركية حقيقية مع المواطنين، هو أساس نجاح أي بلدية. التخطيط لا يجب أن يكون مجرد عملية تقنية، بل فعل اجتماعي يُراعي الخصوصيات المحلية، ويستجيب للتغيرات المستمرة.
البلديات مطالبة اليوم بأن تتحول إلى "مراكز تفكير محلية" تُنتج الحلول وتختبر النماذج، مستفيدة من تجاربها السابقة ومن خبرات المجتمعات المحلية.

البلديات في المشهد الوطني العام:

عندما تكون البلديات قوية وفعالة، فإن ذلك ينعكس إيجابًا على مؤشرات الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، فإن دعم البلديات وتمكينها هو في حقيقته دعم لمسيرة الدولة، وتعزيز لوحدتها الوطنية، وحماية لهويتها الثقافية.
إننا بحاجة إلى قراءة جديدة لدور البلديات، لا باعتبارها كيانًا خدماتيًا فحسب، بل شريكًا في صنع السياسات الوطنية على المستوى المحلي، وضامنًا للتوازن بين مراكز المدن وأطرافها، وبين المركز والأطراف، ضمن رؤية وطنية شاملة.

إن البلديات الأردنية ليست هامشًا في معادلة الدولة، بل هي في قلب معادلة الهوية والتنمية والاستقرار.
الاستثمار في تطويرها هو استثمار في تعزيز ثقة المواطن بالدولة، وفي فتح آفاق أرحب لمشاركة حقيقية تسهم في بناء مجتمع متماسك، مزدهر، وفاعل في مسيرة الإصلاح الوطني الشامل.
مدار الساعة ـ
story