لا يمكن لأي منصف أن يتجاهل الدور الأردني العميق والراسخ في دعم ومساندة القضية الفلسطينية،هذا الدور ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعقودٍ طويلةٍ من المواقف المشرفة التي فرضتها حقائق التاريخ والجغرافيا ووحدة الدم والمصير،فالأردن لم يقف يومًا متفرجًا على معاناة الشعب الفلسطيني، بل كان في قلب المواجهة سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا.
منذ حرب 1948 التي امتزج فيها دم الأردنيين بتراب فلسطين وقدّم الجيش العربي آلاف الشهداء دفاعًا عن القدس، وحتى يومنا هذا، ظلّت القضية الفلسطينية جزءًا من أمن الأردن القومي،ولم يكتفِ الأردن بالمواقف السياسية، بل تحمّل مسؤولية حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وحمل الهاشميون الوصاية التاريخية كأمانة مقدسة.
وعلى مرّ العقود، تعاقبت المواقف الثابتة للملوك الهاشميين، من الحسين بن طلال الذي جاب العالم دفاعًا عن فلسطين، إلى الملك عبد الله الثاني الذي جعل من القدس خطًا أحمر لا يقبل المساومة.،لقد تبنّى الأردن باستمرار حلّ الدولتين كخيار استراتيجي، وظلّ صوتًا صريحًا ضد محاولات طمس الهوية الفلسطينية أو فرض حلول أحادية.
ومع العدوان الإسرائيلي الوحشي بعد السابع من أكتوبر 2023، أثبت الأردن مرة أخرى أنه رأس حربة في الدفاع عن الحق الفلسطيني،قاد الملك عبد الله الثاني حملة دبلوماسية دولية غير مسبوقة، وحذّر في كل منبر من جرائم الحرب والتهجير القسري والحصار، فيما سيرت القوات المسلحة الأردنية الجسور الجوية والبرية لإيصال المساعدات، وأقامت المستشفيات الميدانية في غزة.
ومع ذلك، يخرج من بين الصفوف – وللأسف – من يحاول تشويه هذا الدور الأردني المشرّف،هناك من يريد للأردن أن ينتحر سياسيًا وعسكريًا وأن يزجّ بنفسه في حرب شاملة ليرضي حماسة شعارات لا تدرك عواقبها.،وبلغت هذه الأصوات حدّ الاعتداء الآثم على السفارات الأردنية في بعض العواصم العالمية، وهو سلوك مشين لا يخدم إلا أعداء الأمة.
فمن يتطاول على الأردن ويتعامى عن تاريخه، يجهل أن هذا البلد الصامد قدّم لفلسطين أكثر مما قدّم الكثيرون، لكنه يدرك – بعقلانية ومسؤولية – أن دعم الحق لا يعني تدمير الذات،فالقوة ليست في الصراخ، وإنما في الثبات والصبر والعمل الاستراتيجي الذي يحفظ للأردن قوته وقدرته على الاستمرار في دعم فلسطين.
الأردن ليس بحاجة إلى شهادة من أحد، فالتاريخ شاهد، والدماء الطاهرة التي روت القدس شاهد، والمستشفيات الميدانية والجسور الإنسانية شاهدة.،ومن يزاود على الأردن، إنما يزاود على نفسه، لأن هذا البلد بقي رغم كل الضغوط وفيًا لقضيته الأولى، ولم يتاجر بها يومًا.
إن الأردنيين، قيادة وشعبًا، واعون لحجم المؤامرات التي تستهدف بلدهم ودورهم،وسيبقى الأردن كما كان دائمًا، السند الأقوى لفلسطين حتى يتحقق حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، رغم أنف كل حاقد ومشكك.

التل يكتب: الأردن وفلسطين: تاريخٌ من الوفاء رغم محاولات التشويه
مدار الساعة ـ