أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

على وقع التعديل الوزاري: هل نبقى بدائرة إدارة الأزمات؟

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتبت جوان الكردي -

في ظل التحديات المركبة التي تواجه الأردن اليوم، من اقتصاد يئن تحت وطأة المديونية، إلى شح مائي، وبطالة تتزايد مع انسداد أفق الإنتاج، لم يعد التعديل الوزاري ولا تبديل الوجوه كافياً ولا مقنعاً. الشارع يدرك أن ما ينهك البلاد أعمق من أسماء الوزراء وأوسع من بيان ثقة. ما تحتاجه البلاد ببساطة هو تحول جذري، لا "إصلاحات قطّاعية" مجتزأة تعلّق على رفوف النوايا.

خلال العقود الماضية، كانت طريقة تعامل الحكومات مع الأزمات مشوهة، قائمة على رد الفعل لا المبادرة، وعلى المراوغة لا المواجهة. وبدا واضحاً أن هذا النهج لم يعد صالحاً ولا ممكناً. فالعالم من حولنا يتغير بوتيرة غير مسبوقة، والحروب والتغيرات المناخية تعيد تشكيل التحالفات والأسواق وسلاسل التوريد وحتى أنماط الحياة. أما في الداخل، فهناك تراكم خطير لقضايا كبرى: مديونية تلتهم الموازنة، وقطاعات إنتاجية متكلسة، ونظام ضريبي يثقل كاهل المواطن دون أن يفتح له باب أمل وارتفاع في نسب الفقر والبطالة.

وإلى جانب هذه الأزمات الاقتصادية والهيكلية، يتمدد سرطان الفساد، وتتعاظم المحسوبيات والواسطات، وتعود نفس الوجوه إلى واجهات القرار من باب التدوير لا التغيير، مما أفقد الناس ثقتهم في جدوى العملية السياسية برمتها. ضعف المشاركة السياسية، وقمع حرية التعبير، وتزايد الاعتقالات وتراجعات في ملفات حقوق الإنسان الأساسية، باتت مشاهد مألوفة، تفرّغ الإصلاح من معناه، وتحاصر أي أمل بولادة جديدة للدولة.

ما يطرحه اليوم بعض المفكرين والخبراء ليس تنظيراً سياسياً، بل محاولة جادة لبناء خريطة طريق وطنية تعيد الاعتبار للتخطيط طويل الأمد، وتربط بين المال والماء، والطاقة والإنتاج، والعدالة والمناخ. لا مكان بعد الآن للقرارات المجتزأة أو الحلول المؤقتة. المطلوب رؤية وطنية تمتد لعشر سنوات، تنفذ على مراحل، وتراقب عبر مؤشرات أداء شفافة، ويُحاسب كل مسؤول عن نتائجها لا عن نواياه.

لكن الرؤية وحدها لا تكفي. لا بد من إرادة سياسية حقيقية تقود التحول، وحكومة تملك الولاية العامة فعلياً، لا أن تبقى مرهونة بشبكات النفوذ والشللية. لا نحتاج اليوم حكومة تسابق الزمن لتعديل وزاري لإطالة عمرها أو لتسكين الشارع مؤقتاً، بل إلى تفويض قيادي واضح، لفريق متخصص يعمل ضمن خريطة طريق زمنية ونتائج.

إدارة الدين العام يجب أن تتحول من عبء إلى أداة تنموية، عبر توجيه الاقتراض إلى مشاريع منتجة، وربط التمويل بالأداء والمساءلة. أما أزمة المياه، فلم تعد رفاهية، بل مسألة بقاء ووجود. من هنا، يصبح تأسيس صناديق مائية ومناخية، وتوسيع برامج تحلية المياه، وإعادة الاستخدام، خطوات مصيرية لا تحتمل التأجيل.

التعليم الذي لطالما حُمل بالشعارات، بات اليوم عند مفترق حاسم: إما أن يُربط باحتياجات سوق العمل والتحول الرقمي، أو أن يُنتج مزيداً من البطالة المغلفة بالشهادات. وكذلك السياحة، التي يجب أن تتوزع جغرافياً وتتكيف مع التغير المناخي، بدلاً من اعتمادها الموسمي على فئة محدودة من الزوار.

أما في ما يخص التمويل، فإن الأردن لا يعاني من غياب الموارد بقدر ما يعاني من سوء ترتيب الأولويات، وغياب أدوات التمويل المبتكرة، وركود الشراكة مع القطاع الخاص. إعادة تدوير الأصول العامة لتمويل مشاريع إنتاجية لم تعد ترفاً فكرياً، بل ضرورة اقتصادية.

المشكلة الكبرى اليوم تكمن في ضعف القيادة السياسية – التنفيذية والتشريعية – على حد سواء، إذ تبدو عاجزة عن كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد. التردد، وغياب القرار الجريء، والتقاعس الإداري الذي يشلّ القدرة على الفعل، كلها أمراض تعطل التحول وتحاصر أي تفكير خارج الصندوق.

إننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في الدوران داخل حلقة الأزمات، أو خوض مغامرة التحول بكل شجاعة. الخيار الثاني لا يعني القفز إلى المجهول، بل الانطلاق من تشخيص واقعي دقيق، نحو منظومة وطنية للتغيير، تنفذ وفق جدول زمني صارم، وتدار بعقلية الإنتاج والمساءلة، لا الترضية والاسترضاء.

نحن بحاجة إلى عقل منتج لا عقل إدارة يومية. نحتاج إلى رؤية تمويلية تستند إلى أدوات الاقتصاد، لا إلى مديونية متكررة بلا نتائج. نحتاج إلى مجلس أعلى للاستدامة، لا إلى لجان طارئة تستهلك الوقت وتكرر الفشل.

تحويل الأردن إلى دولة منتجة، عادلة، مرنة، وآمنة مائياً واقتصادياً، لم يعد ترفاً فكرياً، بل أصبح شرطاً للبقاء. والكرة اليوم ليست في ملعب الوزراء، بل في ملعب صاحب القرار التنفيذي: هل يقود التحول؟ أم يكتفي بإدارة الأزمات حتى إشعار آخر؟


مدار الساعة ـ
story