في الوقت الذي تتعاظم فيه التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأسباب مختلفة، وتتراجع فيه ثقة الأجيال الجديدة بمؤسساتها الرسمية، يبرز ولي العهد، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وهو الذي نشأ في ظل بيئة ملكية مشبعة بالقيم الهاشمية القائمة على العدالة والاعتدال وخدمة الأمة، كأحد الرموز القادرة على إعادة بناء هذه الثقة، وتحفيز الطاقات، وطرح رؤية جديدة تعكس طموحات جيل يتوق للعدالة والتمكين والعيش الكريم، وتجسيد معادلة الأمل الواقعي في التغيير. فهو ليس فقط وريث العرش، بل حامل لرؤية تتجاوز الرمزية إلى الفعل، وإلى استعادة العلاقة المفصلية بين الدولة وشبابها، بين القيادة والمستقبل، وهو القادر على أن يكون نقطة تحوّل في العلاقة بين الدولة الأردنية وشبابها؟
ولي العهد، يشكّل اليوم حالة خاصة في الوجدان الأردني، كصوت شبابي يحمل على عاتقه آمال أمة وقلق جيل، فهو لم يتوقف عند حدود الدور الرمزي كولي للعهد، بل كرّس حضوره كشريك فعلي في النقاشات الوطنية، منطلقاً من خلفيته الأكاديمية والعسكرية، وهو الذي يمثّل جيلًا قياديًا جديدًا قادرًا على فهم تعقيدات الدولة وتحولات العالم الرقمي وما يرافقها من سرعة في التغير، وتحولات اجتماعية.فالأمير، بخلفيته الأكاديمية وتكوينه العسكري والقيادي، يمثل نموذجًا لقائد مطّلع على تعقيدات الواقع الأردني، ومتصالح مع متغيرات العالم. زياراته الميدانية، مشاركاته في المؤتمرات الشبابية، اهتمامه بالتعليم، والريادة، والتكنولوجيا، والثقافة والفنون والرياضة، كلها رسائل موجهة لجيل يريد أن يرى قيادته تشبهه وتعيش همومه. كما أن خطاباته، جاءت بلغة واقعية، وهو يتجنب خطاب المجاملات الرسمية، ويقترب من الناس بلغتهم وأحلامهم، وعلى نهج جلالة الملك، فقد تحدث، في أكثر من مناسبة، وبكل صراحة، عن أهمية سيادة القانون، والمواطنة الفاعلة، والعدالة الاجتماعية، وضرورة الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد، وهي ملفات تتصدر اهتمامات الشباب الأردني الذي يشعر بأن الفرص تبتعد، وأن الفجوة تتسع بينه وبين مؤسسات الدولة. هذا الخطاب الواقعي، غير المتكلف ولا الشعبوي، جعله في نظر كثير من الشباب، شريكًا في حمل همهم، وجسرًا محتملاً لعبور المملكة نحو تجديد حيوي لعقدها الاجتماعي.وكما يسجل للأمير، إدراكه العميق للقطيعة النفسية والسياسية بين شريحة واسعة من الشباب والدولة، ولذلك جاءت مبادراته الميدانية والتعليمية، لترميم العلاقة المهتزة، عبر خلق أدوات تمكين حقيقية، من التعليم إلى الريادة، ومن الثقافة إلى الصحة، ومن نقل التكنولوجيا الى التمكين منها، وتشجيع الانخراط السياسي، ومحاولة لتأسيس بنية تمكينية حقيقية، لا مجرد شعارات.لقد شكلت مبادرات الأمير، علامة فارقة في مسيرة التحديث الأردني، لا سيما في المجالات المرتبطة بنقل التكنولوجيا وتمكين الشباب. فمن خلال إطلاقه لمنصة حقق ومؤسسة ولي العهد، ودعمه المتواصل لمبادرات الريادة والابتكار والتعليم التقني والمهني، أسهم الأمير في ترسيخ رؤية مستقبلية تسعى إلى تحويل الشباب من متلقين للفرص إلى صانعين لها. كما وتجلّى اهتمامه بالثورة الصناعية الرابعة في رعايته لمشاريع الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وإنشاء مراكز الابتكار، وتوسيع نطاق التدريب على المهارات الرقمية الحديثة. ان هذه المبادرات جاءت منسجمة مع رؤية الملك، ولتلبية حاجات الاقتصاد الوطني وسوق العمل، وسد الفجوة بين التعليم التقليدي ومتطلبات العصر، في محاولة جادة لبناء جيل قادر على المنافسة محليًا وإقليميًا وعالميًا، منطلقاً من ان الدول لا تُبنى بالشعارات، بل بصناعة الكفاءات.لقد بات من الواضح أن الأمير، يتعامل مع ملف التكنولوجيا باعتباره ركيزة استراتيجية لمستقبل الدولة ومكانتها في عالم سريع التحول. ففي ظل ما يشهده العالم من سباق نحو الرقمنة والثورة الصناعية، ولاهتمام جلالة الملك في مثل هذه الملفات، فقد أصدر إرادته السامية بتكليف سمو الأمير برئاسة المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، لثقته المطلقة بأن مثل هذه المهمة تحتاج الى شخصية بمواصفاته، لبناء نهج شمولي يجمع بين التمكين المعرفي والاقتصادي، وبناء بنية تحتية تكنولوجية متكاملة لتحديث الدولة، وتُعيد رسم ملامح الأردن الجديد.إن مشروع ولي العهد لا يهدف فقط إلى مواكبة العصر، بل إلى تثبيت الأردن كلاعب فاعل في خريطة الابتكار الإقليمي، وكرافعة لاقتصاد معرفي قادر على تجاوز قيود الجغرافيا والموارد، عبر الاستثمار في أثمن ما يملكه الوطن، وهو عقول أبنائه، وهذا لا يتم إلا بإصلاح منظومة التعليم وتجويد مخرجاته.الأمير مدرك تماماً، بأن إحداث التغيير المنشود، لا يمكن أن يتم، إلا بتغير البنية الإدارية والسياسية، القائمة على إصلاحات تشريعية، وإدارة مرنة، وأحزاب فاعلة، وأدوات تنفيذ حقيقة للإرادة الرسمية، لتجديد الحياة السياسية والاجتماعية.الأمير الحسين ليس مجرد ولي عهد، بل مشروع دولة متجددة، وهذا يتطلب ارادة وطنية شاملة، تتجاوز الصور والمراسم إلى أفعال تُعيد الثقة، وتُطلق الطاقات، وتفتح أبواب المشاركة الحقيقية أمام جيل لا يريد أن يُهمَّش. وهذا ما عبّر عنه، سمو الأمير، في العديد من خطاباته، خاصة أمام الأمم المتحدة أو خلال لقاءاته داخل الأردن، حيث يؤكد باستمرار أن التغيير لن يأتي إلا من الداخل، ومن خلال الاستثمار في الإنسان.فمشروع الأمير ليس مجرد حزمة من البرامج التنموية، بل هو تصور إستراتيجي لبناء أردن جديد يؤمن بالعلم والعمل والتكنولوجيا كأدوات للسيادة الوطنية والتحرر من التبعية، وإن الاستثمار في العقول ليس ترفًا، بل خيار وجود، وما يقدّمه ولي العهد اليوم ليس فقط تعبيرًا عن التزام سياسي، بل هو تأسيس عميق لمستقبل تكون فيه الدولة الأردنية أكثر توازنًا، ومجتمعها أكثر إنتاجًا، وشبابها أكثر ثقةً بأن لهم مكانًا في المستقبل.وهنا يجب أن ننوه إلى أن عرس سمو الأمير الحسين، لم يكن مناسبة ملكية فحسب، بل لحظة وطنية فريدة التفّ خلالها الأردنيون حول العرش، في مشهدٍ نادر يعكس عمق العلاقة بين القيادة والشعب، وتحول الفرح إلى عرس وطني عفوي، تجاوز القصور والمراسم الرسمية إلى الشوارع، لتعلو مشاعر الفخر والانتماء في كل بيت أردني، وكعادة الهاشميين، أظهر الأمير بحضوره وتواضعه وقدرته على الاقتراب من الناس، كيف يمكن للقيادة أن تكون جزءًا من النسيج الشعبي لا فوقه.وفي سياق وطني موازٍ، جاء يوم العلم الأردني، الذي قاده سموه، ليؤسس لثقافة وطنية جديدة تجعل من العلم أكثر من رمز، بل حافزًا للتماسك والهوية، ولم يكن مجرد رفع للعلم، بل حدثًا محوريًا يعزز من الذاكرة الجمعية ويربط الأجيال الصاعدة بتاريخ الدولة وأحلامها. لقد أعاد هذا اليوم الاعتبار لرموز الدولة الوطنية في مواجهة موجات اللامبالاة، مثبتًا أن الانتماء فعل متجدد لا يُفرض، بل يُستلهم ويُصنع.إن مثل هذه المناسبات الجامعة، فرصة للبناء عليها من قبل أعلام الدولة.كما أن الأمير، وبكل ما يحمله من قيم الانضباط والتواضع والطموح، يشكّل رهانًا أردنيًا على استعادة المعنى، وإعادة تأطير العلاقة بين الدولة والأجيال الجديدة على أسس من الاحترام المتبادل، والمشاركة لا التلقين، والإنصات لا الفرض، ونموذجًا لما يجب أن يكون عليه القائد في القرن الحادي والعشرين، قائد يسمع ويتفاعل ويعمل، ويدرك أن شرعية المستقبل تُبنى عبر الجسور لا الحواجز، وهو بهذا المعنى، لا يقدّم نفسه كمجرد امتداد لسلالة ملكية، بل كإجابة حية عن سؤال الوطن والمستقبل.وهنا فانه لا يكفي أن يحمل ولي العهد الرؤية المستمدة من عزم جلالة الملك، ما لم تتكامل معها بنية مؤسسية قادرة على ترجمتها. فالأمير، بحاجة الى فريق من أصحاب الكفاءة في المؤسسات التنفيذية، لمواجهة بيروقراطية مترهلة، وثقافة إدارية قد تكون عاجزة عن التحول، وبعض القوى التقليدية التي أخفقت في كثير من الاختبارات وتستفيد من حالة الجمود، ليكون نقطة ارتكاز لأمل وطني متجدد.إن تمكين ولي العهد، لتحقيق رؤية الملك، يعني بالضرورة دعم مشروعه بتشريعات متطورة، وأجهزة رقابية فعالة، وحياة سياسية نزيهة تفسح المجال لأحزاب جديدة وقيادات ميدانية من أصحاب الكفاءة.يبقى التحدي الأكبر، كيف نحول هذا الأمل إلى منظومة وطنية متكاملة؟ وكيف نبني على طاقة ولي العهد مناخًا جديدًا من السياسة الاجتماعية والتنمية المستدامة والثقافة الديمقراطية؟ وهذه هي الأسئلة التي يجب أن تجيب عليها مؤسسات الدولة في المرحلة القادمة وتعمل على تطبيقها. * مدير مركز عبر المتوسط للدراسات الإستراتيجية
الحسين بن عبد الله.. رسالة الدولة المتجددة
الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية رئيس جامعة البلقاء التطبيقية السابق
الحسين بن عبد الله.. رسالة الدولة المتجددة

الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية رئيس جامعة البلقاء التطبيقية السابق
مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية رئيس جامعة البلقاء التطبيقية السابق
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ