أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات مغاربيات خليجيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

تبسيط 'التبسيط' لاتفاق قواعد المنشأ


طارق الدعجة

تبسيط 'التبسيط' لاتفاق قواعد المنشأ

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

أخفقت اتفاقية تبسيط قواعد المنشأ بين الأردن والاتحاد الأوروبي بشكل كبير.. وحصادها كان متواضعا، بل هزيلا، ولم يسفر سوى عن استفادة 21 شركة من بين مئات الشركات الأردنية التي ارتطمت باشتراطات غير واقعية، لم يكن يتخيلها المفاوض الأردني مع الأوروبيين، وذلك بعد مرور 9 سنوات على دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

ما يعني أن التوقعات خابت، في حين كان يتراءى للمفاوض الأردني أن الاتفاق هو بوابة استراتيجية لانفتاح الصناعة الأردنية على أحد أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، وهو ما لم يحدث، بل إن الاتفاق لم يحدث الفرق بين ما كان قبله ومابعده، وهو مؤشر قياس على تلك الخيبة.

ووفق مؤشرات أخرى، فإن الاتفاق لم يحدث أي تحول جوهري في حجم أو نوعية صادراتنا، ولا في جذب استثمارات جديدة كما كان متوقعا.

علما أن الاتفاق الذي أبرم في سياق مؤتمر لندن العام 2016، وجاء كنوع من التعويض السياسي– الاقتصادي للأردن في ظل أعباء اللجوء السوري، وكـ”تسهيل كبير”، وجرى تقديم تسهيلات إضافية ثانية العام 2018، لكن الاتفاق “لم يعوض” و”لم يسهل”.

ويتركز عمل معظم الشركات الأردنية الـ21 التي استفادت فعليا من الاتفاق على الألبسة، بإجمالي صادرات تراكمية تقارب 488 مليون دينار فقط خلال 9 سنوات، وهو رقم متواضع جدا، مقارنة بطموحات التصنيع والتصدير التي كانت مرجوة، فضلا عن غياب أي زخم استثماري صناعي أوروبي ملحوظ على أرض الواقع.

وإذا نظرنا إلى القيمة السنوية لصادراتنا إلى هذه الأسواق، نجد أنها لا تشكل أكثر من 5 % من إجمالي الصادرات الوطنية، فضلا عن العجز الكبير في الميزان التجاري، الذي يقدر بنحو 2.5 مليار دينار، ما يعكس اختلالا واضحا في الأداء التصديري، ويشير إلى وجود تحديات هيكلية تحول دون الاستفادة الفعلية من هذه الأسواق بالشكل المطلوب.

ما يجعل هذه “التسهيلات” مجحفة بحق الأردن، هو أن شروطها وفرصها بقيت محدودة ومقيدة، ولا تراعي بشكل كاف طبيعة الاقتصاد الأردني واحتياجات قطاعاته الصناعية المختلفة.

الأسباب متعددة، وبعضها يعود إلى طبيعة الاتفاق نفسه، الذي استثنى منتجات ذات قدرة تصديرية عالية مثل الصناعات الغذائية، بسبب غياب نظام تتبع وطني موثوق يثبت مراحل الإنتاج المحلي.

فالتشريعات الأوروبية المعقدة، وتكاليف الإنتاج المرتفعة، واشتراطات العمالة، شكلت جدرانا يصعب على كثير من المصانع الأردنية تجاوزها، رغم أن الاتفاقية تفترض أن تكون أداة دعم حقيقية للصناعة الوطنية.

كما أن كلفة الامتثال للمعايير الفنية الأوروبية مرتفعة جدا، ما يجعل التصدير خيارا غير مجد اقتصاديا للعديد من الصناعيين، خاصة في ظل ضعف الدعم الحكومي للمواءمة مع تلك الشروط.

وعلى مستوى الشركات، فإن نقص المعرفة بالسوق الأوروبية، وضعف الروابط مع المستوردين هناك، وتدني الترويج للمنتج الأردني، كلها عوامل ساهمت في تواضع الأداء. يضاف إلى ذلك الكلف اللوجستية المرتفعة، ما يجعل المنافسة صعبة في سوق يعج بالخيارات الأرخص والأكثر جاهزية.

تواضع حصيلة الاتفاق بعد هذا الوقت يطرح تساؤلات أبرزها: هل من الممكن إعادة النظر في الاتفاقية لتصبح أداة حقيقية لدعم الصناعة الوطنية؟

توقيع الاتفاقيات يفترض تحقيق أثر تنموي، وإذا غابت العدالة في النص، والفاعلية في التنفيذ، فإن النتيجة ستكون كما نراها اليوم: اتفاق ميسر على الورق.. ومحبط في الواقع.

المطلوب اليوم من الحكومة، ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة والتموين، أن تضع هذا الملف على طاولة المراجعة الجادة، لا المجاملة، وأن تبدأ حوارا حقيقيا مع القطاع الصناعي للبحث في التحديات، ووضع حلول واقعية لها وبرامج تصديرية محفزة للاستفادة من هذه التسهيلات، قبل أن تغلق هذه النافذة تماما.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ