أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

ما بعد التوجيهي: التخصص الذكي يصنع مستقبله

مدار الساعة,مناسبات أردنية,وزير العمل,عزمي محافظة,نسبة البطالة,وزارة العمل,هيئة الخدمة والإدارة العامة,التنمية المستدامة,الذكاء الاصطناعي,القبول الموحد
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب عمر حسن شعبان -

بعد التوجيهي، يقف الطالب أمام خيار مصيري: ماذا يدرس؟ وللإجابة على هذا السؤال بنجاح، يجب الانتباه إلى ثلاثة مفاهيم أساسية تشكل قاعدة الاختيار الصحيح، وهي: الرغبة، والقدرة، والفرصة.

الرغبة تعني ما يحبه الطالب ويشعر بالشغف تجاهه. فالدراسة في تخصص لا يحبه الطالب ستكون عبئًا نفسيًا وسيصعب عليه الاستمرار فيه. الرغبة تحفّزه على الاجتهاد والتطور.

القدرة تعني ما يستطيع الطالب القيام به من الناحية العلمية والمهارية. ليس كل تخصص يناسب كل طالب، فهناك تخصصات تحتاج إلى مهارات معينة أو مستوى معين من التحصيل الدراسي. القدرة هي القاعدة التي تحدد مدى استعداده للدخول في تخصص معين.

أما الفرصة فهي حجم الطلب والاحتياج في سوق العمل لهذا التخصص. فحتى لو أحب الطالب التخصص وكان لديه القدرة، لكن السوق لا يحتاج إليه، فإن فرص الحصول على وظيفة ستكون ضعيفة. الفرصة تعني أن يكون للتخصص مستقبل وظيفي ومجالات عمل حقيقية ومتاحة.

هذه الثلاثة معًا تشكّل المثلث الذهبي لاختيار التخصص: لا بد أن يحب الطالب التخصص (رغبة)، ويستطيع دراسته (قدرة)، وأن يكون هناك حاجة فعلية له في سوق العمل (فرصة).

يتجاوز الطالب مرحلة الثانوية العامة محمّلًا بفرح النجاح، لكنه يقف سريعًا أمام مفترق طرق مصيري: ماذا بعد؟! سؤال لا يكفي أن يُجاب عنه بعاطفة، ولا يُحلّ بنصيحة عابرة في جلسة عائلية. فاختيار التخصص الجامعي أو المسار المهني هو قرار استراتيجي يجب أن يُبنى على هذه الأعمدة الثلاثة المتوازنة. اختلال أي ركن من هذه الأركان كفيل بأن يجعل سنوات الدراسة عبئًا، والشهادة بلا قيمة عملية.

في الأردن، كما في كثير من الدول العربية، تطارد التخصصات الطبية والهندسية حلم أغلب الطلاب والأهالي. لكن المشهد الواقعي يكشف أن بعض هذه التخصصات – وعلى رأسها الطب – لم تعد كما كانت من حيث سهولة التوظيف أو العائد المادي. فبحسب وزير التعليم العالي الأردني د. عزمي محافظة، فإن "الطب أصبح من أكثر التخصصات إشباعًا في الجامعات الأردنية، ونسبة البطالة بين خريجيه بازدياد". وتشير بيانات عام 2025 إلى أن عدد خريجي الطب من الجامعات الأردنية ومن الخارج يصل إلى نحو 2,600 خريج سنويًا، في حين لا تتجاوز فرص التوظيف المتاحة 1,100 وظيفة داخل السوق المحلي، أي أن أقل من نصف الخريجين يمكن أن يجدوا عملًا فورًا بعد التخرج.

من جهة أخرى، يشير الدكتور معن القطامين – الخبير الاقتصادي الأردني ووزير العمل الأسبق – إلى أن "القرار الأكثر خطورة على حياة الطالب الأردني هو اختيار تخصصه الجامعي بناءً على رغبة الأهل أو سمعة التخصص لا على ضوء الفرصة الواقعية في السوق". ويضيف: "نحن بحاجة إلى تصالح مجتمعي مع مفهوم التعليم المهني والتقني، فهو لا يقل شرفًا ولا دخلًا عن أي تخصص أكاديمي". أما الدكتور طارق السويدان، فيقول: "الذي يختار تخصصه فقط لأنه مشهور، أو لأنه ماشي بالسوق، سيُفاجأ بعد سنوات أن السوق تغيّر وأن الشغف الذي أهمله سيطارده"، مشددًا على أهمية أن يكون الطالب قائدًا لقراره، لا تابعًا للضغوط الاجتماعية.

تقارير هيئة الخدمة والإدارة العامة في الأردن توضح أن عشرات التخصصات الجامعية أصبحت راكدة أو مشبعة، ومع ذلك ما تزال تُطرَح سنويًا بلا مراجعة حقيقية. فقد جاء في آخر تصنيفات التخصصات (2025) أن أكثر من 65% من التخصصات الإنسانية تُصنّف بين الراكدة والمشبعة، مثل الجغرافيا والفلسفة ومعظم فروع اللغة العربية وعلم الاجتماع وبعض أقسام الشريعة.

المسؤولية هنا مشتركة؛ فالأسرة يجب أن تدعم أبنائها في اختيار تخصص يلائم قدراتهم، لا أن تفرض عليهم طموحات مؤجلة. والإعلام عليه أن يقدم تحليلات مهنية بدل الترويج الموسمي لتخصصات معينة. وهيئة الخدمة والإدارة العامة ووزارة العمل مطالبتان بتوفير بيانات دقيقة ومحدثة حول نسب التوظيف. والجامعات عليها أن تربط خططها الدراسية برؤية اقتصادية وطنية واضحة. كما أن المناهج المدرسية مطالبة بإدراج وحدات للتخطيط المهني وتدريب الطلاب على اكتشاف قدراتهم مبكرًا.

ولا يقتصر الأمر على التخصص، فالمهارات أصبحت عملة المستقبل. فالخريج الذي يمتلك مهارات مهنية، وشخصية، ورقمية، سيكون أكثر قدرة على المنافسة. ومن الضروري أن تحتوي الخطط الدراسية على مساقات مرتبطة بالتخصص، مع مشاريع تخرج حقيقية ومعارض توظيف جامعية، وأن تكون هذه الخطط مرنة في تحديث محتواها بما يتماشى مع متغيرات السوق الأردني والإقليمي.

بعد استعراض واقع اختيار التخصص وأهمية التوازن بين الرغبة والقدرة والفرصة، لا بد من تعزيز التوعية المجتمعية عبر وسائل متعددة لضمان وصول المعلومة بدقة وفعالية. يمكن للإعلام المرئي والمسموع والمقروء أن يلعب دورًا محوريًا من خلال برامج حوارية ومقالات تقارب واقع سوق العمل، فيما تشكل خطب الجمعة منصة تربوية لربط الاختيار بالمسؤولية الدينية والاجتماعية. إلى جانب ذلك، تبرز أهمية الندوات والمحاضرات في المدارس والجامعات لنقل تجارب واقعية وتدريب الطلبة وأولياء الأمور على التخطيط المهني المبني على بيانات القبول الموحد والتوجهات الاقتصادية. ومن الضروري تحديث منصة القبول الموحد لتشمل معلومات مبسطة حول فرص التوظيف ونسب التشبع والركود، مع توفير استشارات إلكترونية تساعد الطالب في اتخاذ قراره. كما ينبغي دعم مؤسسات تسويق الخبرات التي تربط بين خريجي الجامعات وسوق العمل عبر دورات تأهيلية ومعارض توظيف منتظمة، مما يضمن توافق التخصصات مع احتياجات السوق ويخلق فرصًا حقيقية للخريجين. هذا التنسيق بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني يشكل حجر الأساس لنجاح أي استراتيجية وطنية في تطوير الكوادر البشرية وتحقيق التنمية المستدامة.

في دول الخليج، كما في الأردن، تعاني بعض التخصصات الأكاديمية من التشبع، لكن هناك طلب متزايد على مجالات التقنية، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات. هذه المجالات تمثل فرصًا ذهبية للطلاب الذين يخططون بذكاء، بعيدًا عن تقليد "الموضة" في اختيار التخصص.

الخلاصة أن التخصص الذكي هو الذي يلبي رغبة الطالب، ويتوافق مع قدراته، ويمنحه فرصة حقيقية في سوق العمل، ليس فقط اليوم بل بعد 5 أو 10 سنوات. القرار قرار الطالب، لكن نتائجه سترسم ملامح مستقبله بالكامل.


مدار الساعة ـ