أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الخوالدة يكتب: اليوم التالي للحرب؟ سؤال مفتوح وإجابة مبهمة!


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: اليوم التالي للحرب؟ سؤال مفتوح وإجابة مبهمة!

مدار الساعة ـ

في مشهد الشرق الأوسط المشتعل، تتقاطع الخطوط الحمراء للسياسة مع دماء الأبرياء في غزة. لا يخفى أن المشروع الإسرائيلي تجاه غزة يحمل أبعادًا أعمق من عدوان عسكري؛ فهناك رغبة معلنة أو مضمرة في تفريغ القطاع من مكونه البشري، وكسر إرادة صموده، وربما إعادة صياغة الخريطة الديموغرافية للمنطقة.

لكن هذا المشهد المعقد لا يمكن فصله عن تاريخ طويل من الأخطاء العربية: هزيمة 1967 بما حملته من غياب الاستعداد العسكري، والتشتت السياسي، وفقدان الحكمة، وإهمال بناء اقتصاد عربي متكامل، وغياب الصناعات المتوسطة والثقيلة، وغياب المشاريع المشتركة. حتى التحالفات – حين وُجدت – كانت هشة أو آنية، لتترك فراغًا استراتيجيا ملأته قوى إقليمية ودولية.

اليوم، في ظل غياب الكلمة الموحدة، تتكرر المأساة. القوى العسكرية العربية مشتتة، والمكون السني في أكثر من ساحة مستهدف بالتفتيت والإنهاك، والعرب الملتحقون بمحور "الممانعة" يجدون أنفسهم بلا رؤية واضحة، وأحيانًا أسرى أجندات غيرهم. لحاق دمشق حافظ الأسد بطهران تحت شعار "المقاومة" كان واحدًا من الأمثلة الصارخة على شرخ القرار العربي إلى حسابات إقليمية ضيقة.

إن انشغال الصهاينة وحقدهم على غزة يؤكد أن الأولوية لديهم هي تدمير المكون السني، الرأس الحقيقي للحربة التي تهدد وجودهم. وفي الوقت نفسه، لا يغيب عن البال أن ضربة إيران قادمة، وأن هذه المعركة ليست مجرد صراع إقليمي عابر، بل حرب وجودية. غزة اليوم تمثل لعنة على تل أبيب وطهران معًا، لأنهما – وإن اختلفا في الأهداف – كلاهما جزء من المتآمرين على المنطقة ومستقبلها.

أما إسرائيل، فهي تعرف أن استمرار الحرب على غزة لأنها فلوجة فلسطين – مهما كانت كلفته – يوفر لها فرصة لإعادة رسم موازين القوى. نتنياهو يدرك أن نهاية الحرب قد تفتح أبواب المحاسبة الداخلية، لذا يواصل التصعيد، متكئًا على انقسامات داخلية إسرائيلية، لكنه أيضًا راهن على أن العرب سيبقون متفرجين، أو منشغلين بخلافاتهم. وبعد ملف غزة ستنقل حكومته المتطرفة أزماتها إلى الشرق الأوسط.

إيران بدورها، تلعب لعبة النفس الطويل، ترسل رسائل الردع عبر جبهات متعددة، وتُبقي خصومها في حالة استنزاف ذهني وعسكري. المشهد، بكل تناقضاته، يضع إسرائيل في وضع أضعف مما تتصوره، لكنه أيضًا يكشف حجم غياب المشروع العربي البديل.

إن ما يحدث اليوم ليس نزاعًا عابرًا، بل اختبار وجودي للأمة العربية. الفرصة قائمة – رغم كل شيء – لبناء مشروع عربي حقيقي، يبدأ بالاقتصاد وينتهي بقوة الردع، ويعيد الثقة للشعوب بأن أمنها القومي حاضر في لغة السياسة الدولية. العالم لا يحترم إلا من يمتلك أدوات القوة، وأي تهاون في هذه اللحظة التاريخية يعني مزيدًا من التفكك.

ولا يمكن أن يُغفل البعد الإنساني في غزة، فالمأساة هناك جرح مفتوح في قلب الأمة. إدخال الغذاء والدواء والماء ووقف آلة الحرب ليس عملًا إنسانيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لوقف تمدد العنف والتطرف.

ولا يمكننا أن نتجاهل قتل الصحفيين والإعلاميين، فهم ليسوا فقط ضحايا مأساوية، بل هم مقدمة لجرائم أبشع وانتقام أوسع. نسأل الله حقن الدماء وحفظ أهلنا جميعًا من مزيد من المعاناة.

وهنا، يبرز الدور الأردني المبارك، الذي يتحرك بهدوء وصلابة، يوازن بين الإغاثة والسياسة، ويحافظ على ثوابت الأخوة والواجب الإنساني، في وقتٍ يحتاج فيه الموقف العربي إلى صوت عاقل وشجاع.

اليوم التالي للحرب: رؤية استراتيجية

إن تحديد معالم "اليوم التالي للحرب" لا يرتبط فقط بالمبادرات الدولية أو تصريحات العواصم، بل يرتبط بشكل مباشر بقدرة أهل غزة على الصمود، والتي تتوقف على توفر المؤن والأدوية الأساسية. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن المكون العربي الذي يمثل الركيزة الوحيدة لأي ردع حقيقي لإسرائيل ولا بديل له غير ذلك في مواجهة مؤجلة، وهو هدف واضح للاستنزاف، ليس فقط من قبل الاحتلال، بل وأيضًا من قوى إقليمية مثل إيران التي تكرر أخطاء تاريخية بمحاولتها إنهاك إسرائيل عبر استهداف هذا المكون بدلاً من بناء قوة استراتيجية مستقلة ومتوازنة.

هذه الاستراتيجية التي تراهن على إطالة أمد الصراع لاستنزاف الخصم قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فتضعف المحور الذي يدعي حمايته، وتمد العنف والتطرف إلى أمد أطول في المنطقة.

في هذه اللحظة الحرجة، ندعو الله أن يهلك الظالمين بالظالمين، ونتمنى بكل صدق أن تتوقف الحرب على غزة فورًا، فتحفظ أرواح المدنيين، وتعيد الأمل إلى شعوبنا، وتؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والأمن المشترك.

وفي الحقيقة، فإن اليوم التالي للحرب لن يكون مجرد عنوان لمرحلة ما بعد القصف؛ بل هو لحظة الحقيقة: إما أن نستفيد من دروس التاريخ ونبني قوة مشتركة، أو نظل أسرى الدهاليز ذاتها التي أضاعت علينا فرص النهوض منذ عقود.

وفي الختام، نتمنى أن تثمر تحركات القاهرة وعمان وسائر العواصم العربية عن وقف فوري للحرب، وفتح معابر غزة أمام إدخال واسع للمساعدات الإنسانية، بما يخفف آلام المدنيين ويعيد الأمل لشعب أنهكته المآسي، ويضع حدًا لدوامة العنف التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها.

اليوم التالي للحرب لا أحد يجيب عليه حتى النتن..

والسؤال اين تركيا في كل ما يجري !

وإن شاء الله، ستكون غزة مقبرة العصر للمعتدين، أو لعنة على هؤلاء الذين اختاروا طريق العدوان والدمار.

مدار الساعة ـ