قتلت إسرائيل أكثر من 230 إعلاميا في قطاع غزة منذ حرب السابع من أكتوبر؛ مراسلون ومصورون وصحفيون وفنيون ومن كل المهن الإعلامية، اعتقادا منها أنها تعاقب الشهود، وتحولهم إلى شهداء.
إسرائيل تدرك خطورة الإعلام عليها، ولذلك تمنع الإعلام الدولي من دخول قطاع غزة، لأن المؤكد أن هذا الإعلام سيكتشف ما هو أكثر من الصورة التي نراها الآن، وهي أيضا تنتقم من كل من يكشف الجرائم، وليس أدل على ذلك من استشهاد ستة زملاء دفعة واحدة كانوا يتجمعون في موقع واحد، وسبق ذلك برقيات التهديد التي حلت في بريد الشهيد أنس الشريف مراسل قناة الجزيرة الذي لم يدع على الاحتلال، بل نقل الواقع كما هو.رغم محاولات التعتيم الجارية، إلا أن كل شيء يصل إلى نهاية المطاف، لأن أهل غزة يوثوقون أيضا الجرائم بأجهزة الموبايل وينشرون الصور والفيديوهات، والذي لم ينشر اليوم، سوف ينشر غدا، في ظل رأي عام شعبي عربي وأوروبي وغربي يدين جرائم الاحتلال ضد الأبرياء، من حيث التجويع والتلاعب بسردية الحرب، وقتل الأبرياء، والأطفال والنساء، وهدم البيوت، وهي صور وصلت شعوبا كثيرة، وإلا بماذا نفسر سمعة إسرائيل السيئة وكل هذه المظاهرات في كل مكان، في أكبر إدانة في تاريخ الاحتلال، منذ تأسيسه، وربما القادم أكبر بكثير مما رأيناه سابقا.لكن السؤال الموجه الى الحكومات والبرلمانات الأوروبية تحديدا، التي تتحدث ليل نهار عن حقوق الصحفيين والإعلاميين، وحقوق الإنسان، لكن أغلبها يسكت، أمام جرائم قتل الإعلاميين والصحفيين، وأغلبها يسكت أمام قتل الأبرياء، وتتحمل حكومات هذه الدول كلفة الشراكة غير المباشرة في الجرائم، وتسمعنا التهديدات فقط، من دون فعل مؤثر، ومن دون أي خشية على سمعة مواطني هذه الدول، بين أبناء منطقتنا، أمام صمت حكوماتهم ودولهم.أنس الشريف لم يكن الشهيد الوحيد، ولا رفاقه، سبقتهم شيرين أبوعاقلة، وكثيرون تم قتلهم، وربما تعد إسرائيل اليوم أكبر قاتل للصحفيين والإعلاميين مقارنة بالاحتلالات الثانية لدول مختلفة، والمفارقة هنا أن كل عمليات التصفية والقتل، لم توقف الإعلام عن مهمته أبدا، وكلما رحل زميل، حل زميل آخر، في ظروف مأساوية يعيشها الفلسطينيون في القطاع والضفة.حتى لو تمكنت إسرائيل من التعتيم المؤقت على حرب غزة، فلن تنجح أبدا، لأن المذبحة مستمرة، بل إن إسرائيل تهدد باحتلال القطاع، وكأنها لا تحتله الآن، لكنها بالطبع قد تريد التمهيد لمرحلة أسوأ، وهي مرحلة سيتم رصدها بكاميرات أجهزة الخلوي، وسوف تصل الى الإعلام، عاجلا أو آجلا، حيث لا يمكن أبدا إخفاء الجريمة، بل إن الاحتلال يريد توظيف الصور في إثارة خوف الفلسطينيين والعرب، والقول لهم انظروا ماذا بإمكاننا أن نفعل، فيما رسائل المراسلين في القطاع لا تتورط ببث الفيديو أو الصورة من دون تعليق محنك يعدل الرواية الإسرائيلية ويكشف الجريمة، ولا يتورط بخدمة الاحتلال بحسن نية من حيث بث الخوف والقلق من قدرات جيش الاحتلال.الدول التي تصف نفسها بالحرة والمتنورة تنافق أشد النفاق، وتسكت أمام جرائم الاحتلال في قطاع غزة ضد الإعلاميين والمدنيين، لكنها تقيم الدنيا من أجل حادثة تافهة في دولة ثانية، وهذا يقول صراحة إننا أمام شراكة مباشرة مع إسرائيل في هذه الجرائم، وإن حقوق الإنسان والإعلاميين والصحفيين مجرد وسيلة لابتزاز الدول التي يراد ابتزازها فقط.
شهود وشهداء في وجه منافقين وشركاء
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ