خلال فترة قصيرة تم اتخاذ خطوتين مهمتين من أجل ترتيب قطاع الإعلام، ومنح الصفة المهنية لمن يتوجب التعامل معه في هذا القطاع، الأولى كانت لنقابة الصحفيين التي حوّلت مجموعة ممن اعتبرتهم منتحلي صفة صحفي إلى القضاء، فيما الثانية جاءت من الحكومة التي أصدرت تعميما على الوزارات والدوائر الرسمية بعدم التعامل إلا مع الصحفيين أعضاء نقابة الصحفيين.
الخطوتان لقيتا استحسان عموم الجسم الصحفي، واعتبرتا أنهما تأتيان ضمن سلسلة إجراءات لتنظيم العمل الإعلامي، وتثبيت التعريف الحقيقي للصحفي، والذي سوف يستبعد، بالضرورة، كل من هو دخيل على هذه المهنة.خلال العقدين الأخيرين، وبانفجار ثورة الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، عانت مهنة الإعلام من ظواهر دخلت عليها بدون استئذان، لعل أبرزها كان التسويق لما أطلق عليه "الصحفي المواطن"، وهو مفهوم أسهم بفعالية في "تمييع" مهنة الصحفي، حين ساوى بين جميع من يستطيع نقل المعلومة، وينبغي أن نضع عشرات الخطوط الحمراء تحت مفردة "معلومة"، والتي أصبحت ترد من دون الضوابط المتعلقة بالصدقية، فكل ما يهم غدا السرعة في النشر، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى قد تكون مدمّرة.في نقاشات عديدة بشأن ضرورة تنظيم مهنة الإعلام، وعلى مدار أعوام، كان التحدي الأكبر يكمن في مواجهة معضلة تكاثر "الصحفي المواطن"، الذي يحمل كاميرا في كل مكان وينشر كل شيء بلا أخلاقيات للعمل، أو احترام القانون، وهو ذاته الذي حول نفسه لأن يكون ناقلا للخبر، أو محللا له، وبات تأثيره يفوق تأثير الصحفي الحقيقي، ليس لدقة معلوماته ومهنيته، بل لأنه ينشر ما يستهويه الناس ويتناقلونه بسرعة.وإذا كنا نريد أن نكون موضوعيين ومنصفين، فلا بد من الاعتراف أن ظاهرة "الصحفي المواطن" امتلكت جانبا إيجابيا كونها كسرت احتكار المعلومات، ووسعت نطاق التغطية. لكن السلبيات التي أفرزتها ستغطي على كل إيجابية لها. لقد ساهم هذا النوع من الإعلام في توسيع نشر المعلومات المضللة والكاذبة، بسبب غياب معايير التحقق عند من يمارسها، فينقل المعلومات من دون أن يمحصها، أو أنه يؤلفها لأسباب شخصية أو سياسية أو طائفية أو إثنية، وينشر في سبيل ذلك الصور والفيديوهات المفبركة، لكي يعزز روايته الكاذبة، ما يؤثر سلبا على الرأي العام، الذي تتم تغذيته بصراعات متوهمة لا وجود لها، فينجر للانخراط بتلك الصراعات، بسبب زخم النشر، وإغراق الفضاء بالروايات الكاذبة التي تتسيّد كل ما سواها.في هذا النوع من الصحافة، تغيب المعايير المهنية والأخلاقية، وتنتهك خصوصية الأفراد، ويتم تجاهل التوازن والموضوعية في نقل الأحداث، ما يؤدي إلى فقدان الثقة في الإعلام عموما، لصعوبة التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة.كل هذا شكّل خطورة كبيرة، ليس على المنظومة الإعلامية فحسب، وإنما أيضا على الدولة، التي باتت تلاحق الإشاعة في سبيل دحرها، تلك الإشاعة التي يطلقها هؤلاء فتنتشر كالنار في الهشيم، وتتحول إلى حقيقة مطلقة مصدقة، في مقابل رواية رسمية يصنفها الناس على أنها مضللة مهما كانت دقتها.لهذا كله، فإن إجراءات الحكومة ونقابة الصحفيين، جاءت خطوة في الاتجاه الصحيح لمحاصرة هذه الأشكال من الممارسات التي ترسخ اللامهنية و"البلطجة" الإعلامية، ونأمل في أن تسهم في تقليص ظواهر الأخبار الكاذبة والمغلوطة، والأهم، أن تؤدي إلى تمييز الصحفيين عمن سواهم.
تنظيم قطاع الإعلام.. بداية موفقة
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ