لا يستطيع الأردن عزل نفسه تماما عن أزمات الجوار، والذين يظنون أن بإمكان الأردن عزل نفسه تماما لا يدركون أن الأزمات عابرة نحونا إجباريا، مهما حاولنا الانغلاق، أو حتى النأي بالنفس، أو تجنب الكلف.
مناسبة هذا الكلام أن هناك اتجاهات تعتقد أن النأي بالنفس بشكل كامل أمر ممكن، لصالح الأولويات الأردنية، وقد أتفق مع هؤلاء في أن الأولويات الأردنية يجب أن تبقى حاضرة، وألا تغيب، لكن كلفة الأزمات لا يمكن تجنبها تماما، بل بحاجة إلى إطفاء وإدارة محكمة من أجل تخفيف الكلفة.
الاتجاه الذي يقول لماذا ندفع كلف غيرنا، كلف الحروب والصراعات، ربما يتجاهل أن طبيعة أزمات المنطقة متدافعة وتتوزع على الكل وليست حصرية بالدولة أو الشعب المتضرر، وليس أدل على ذلك من تأثيرات الوضع في غزة والضفة على الأردن، وكلف الملف السوري، وتحديدا مناطق الجنوب، والمخاوف من إقامة حدود إسرائيلية على طول الحدود الأردنية السورية، أو حتى دويلات صغيرة، وهي كلها أزمات ليست أردنية، لكن مصلحة الأردن تكمن في أمرين، أولهما إطفاء هذه الأزمات، وثانيهما حشر الأزمات في مواقعها ومحاولة منع تمددها نحو الأردن.الأهم من كل هذا الكلام ما يتعلق بالتخطيط الإستراتيجي لواشنطن وتل أبيب، وإذا ما كانتا ضمن التخطيط الأشمل والأخطر تريدان حقا حشر الأزمات ضمن حدود معينة، ـم تريدان توسعة دائرة التأثيرات السياسية والـمنية والاقتصادية، بهدف خلخلة كل المنطقة، وصولا للهدف المعلن أي إعادة رسم الشرق الأوسط، وهو مخطط تتهاون إسرائيل ذاتها بشأنه وتعتقد أن لا أحد من شعوب المنطقة قادر على الوقوف في وجهها، أو مخططاتها.حى الآن هناك إدارة جيدة للأزمات، ومحاولات الإطفاء في فلسطين وسورية، مثلا تجري بدرجات متفاوتة، وبرغم ذلك تنعكس الأزمات إجباريا على الأردن، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وليس أدل على ذلك من حصول تراجعات مختلفة في قطاعات متعددة، لكن الاعتقاد أنه يمكن إغلاق الأبواب والشبابيك كليا لتجنب الكلف، اعتقاد مستحيل، فنحن جزء من المنطقة، والإقليم، ولسنا فرادى، ولذلك هناك فرق كبير بين دعوات الانغلاق غير القابلة للتنفيذ، والدعوات لحماية الداخل وتخفيف كلف الأزمات في دول جوار الأردن، وهي أزمات قابلة للانفجار أكثر.نحن اليوم بحاجة إلى مقاربة مختلفة، خصوصا، مع التوقعات بشأن ملفات الإقليم وما يجري في سورية، وقطاع غزة، والضفة وما قد يستجد في لبنان، والعراق أيضا، وملف إيران الذي قد لا يغيب طويلا، وما يتعلق بالتخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي والأميركي لتركيا ومصر، وهذا يعني أننا نعيش استراحات جزئية بين شوطين في ملفات المنطقة، وليس خاتمة لكل هذا المشهد الخطير والدموي، الذي لا يقف في وجهه أحد كما يجب.استحالات الأردن في الملف الإقليمي متعددة، أبرزها استحالة النأي بالنفس تماما، مثلما أن الركون للمشهد الحالي غير منطقي في ظل أزمات قابلة للتوسع وليس الوصول للنهايات بما يطرح علينا أسئلة كثيرة هذه الأيام.