لا شيء يسلم من سطوة قرص الشمس .. شعاعها أرعن هذه الأيام ولا يُفرِّق بين اولئك الذين يسكنون في كنف (وادي بيرين) أو اولئك الذين يفترشون سفوح الجبال.. شمس شهر (آب) لا ترأف ببيوت الطين ولا بيوت الشَّعر.. سَلَكَ الرّعيان مع أغنامهم دروباً ساخنه ووعرة -اثناء طريق العودة -ظُهراً - الى (حِيْشان الحَلال) - شربت الأغنام والماعز كميات كثيرة من المياه وارتوت - حتى انعكس شعاع الشمس على رِقابها المبلولة.
في وقت الظهيرة -وعندما تكون الشمس عامودية - يكون الكل في حاله خدر وقيلوله - تاركين شمس آب لوحدها في الخارج تعانق الوقت والجمادات.. وقتما يزحف المساء ويجِنُّ الليل : تتلقى النساء الأوامر برفع (رواق) بيوت الشَّعر - ليتسنَّى للريح العبور حتى ولو كانت الريح خجوله وباهتة.. الصَّبْية يرتدون أثواب قِماش مُقَلَّمه تقي من قُرِّ الشتاء وقَيْظ الصيف.. النساء تنفَّسنَ الصُّعَداء بعدما فَرَغْنَ من اعباء ذلك اليوم الحار - ومدَّدْنَ أقدامهنَّ مفرودة من تعب جولتين أو أكثر بعد جَلْبِ الماء من عَيْن وادي بيرين مشياً على الأقدام أو على ظهور الدَّواب (الحَمير).في شهر آب تكون الحَلوى هي ثِمار التين الناضجة وأواخر عناقِيد العنب ... ولا شيء أشهى من (الباميا) المقلية أو تلك المطبوخة مع قلاية البندورة. عندما مر شريط الحياه صوب الثمانينات والتسعينات -كانت قوالب الثلج تذوب في أوعية مخصصة - في ليالي الأعراس الجافَّة - وهي تَطرب لصوت (السَّامر والرَّقصة وكَفّ الدَّحِيَّة) - ولربما انصهرت تلك القَوالِب من لهب بساطة الناس وحُبَّهم لبعضهم في ذلك الزمان.من الذكريات في شهر (آب اللَّهاب) - كسوف الشمس الذي حصل بتاريخ (١٩٩٩/٨/١١) - وقتها اختبأ الناس في بيوتهم بعد التحذيرات من عدم النظر مباشرة إلى الشمس - تفادياً لأي ضرر يوثر على العَيْن، ولم نكن ندري يومها هل ابتعدنا عن الشمس أو هربنا من الحرارة.. كُنَّا ننظر خِلْسَةً من خلف قماش البرادي صوب السماء أو باستخدام أوراق (التُّوفَه) الشفافه أو الأكياس السوداء لنلاحظ كيف بدأت العتمة النهاريّة بإلانتشار في الجو، ومنذ تلك الأيام وحتى الآن - لا يزال شهر آب رديفاً للشمس..ولا تزال أشعة شمسهِ تتقاتل مع مُسَنَّنَات (المُكَيِّفات) وخناجر (المَراوح) ليلَ نهار..!!!..