منذ أن اطلق رئيس الحكومة الإسرائيلية تصريحاته حول إسرائيل الكبرى التي تشمل الأردن، والردود اللغوية تنهمر، وكأن إسرائيل يهمها الكلام.
إسرائيل تهتم فقط بالإجراءات والاستعدادات في وجه أي مخطط، ولا يهمها كل هذا التهديد العاطفي الذي يتميز به الإنسان العربي عموما، مع أن حق التعبير عن الغضب مكفول ومطلوب، لكنه غير كاف وليس منتجا.هذا المشروع ليس جديدا وله عدة نسخ، بعضها قائم على التمدد الجغرافي أي الاحتلال، أو تمدد النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني في مناطق إسرائيل الكبرى، دون احتلال جغرافي، أو حتى إيصال بعض أهل المنطقة مثلما شهدنا في بعض مناطق جنوب سورية، إلى مرحلة خروج الجماهير للمطالبة بحماية إسرائيل، باعتبارها أم المظلومين في المنطقة.السؤال الأهم الذي تردد في الأردن كان يتعلق بالتمدد الجغرافي الإسرائيلي واحتلال الأردن أو أجزاء من الأردن، وهذا السؤال بحاجة إلى إجابة تفصيلية، دون مبالغة أو إثارة أو تضليل للرأي العام في الأردن؟بداية يقال إن إسرائيل تغرق في غزة منذ عامين، ولا تستعيد عشرين أسيرا، ولا توقف مقاومتها وهي غير قادرة على التعامل مع تداعيات حرب غزة، وغير مؤهلة عسكريا وسياسيا واقتصاديا وبشريا لاحتلال دول ثانية، أصلا، مثلما أنها تواجه ذات الأزمة داخل الضفة الغربية، وفلسطين 1948، وتشتبك مع سبعة ملايين فلسطيني لا تعرف ماذا تفعل بهم، وليس لديها الإمكانات المالية ولا البشرية لإدارة شعوب ثانية واحتلال أراض ثانية، والدخول في حروب ثانية مع شعوب لديها ثأر شخصي مع الاحتلال.إسرائيل ربما تلجأ إلى سيناريو بديل، أي خلخلة الدول المستقرة بوسائل مختلفة، وفي الحالة الأردنية، فإن محاولة الخلخلة تكمن في عدة احتمالات، أولها تفجير الحدود الغربية للأردن مع فلسطين، إذا استطاعت فرض مخطط التهجير من الضفة لإغراق الأردن سكانيا واقتصاديا وأمنيا، أو تفجير الحدود الشمالية مع جنوب سورية، من خلال إنشاء دويلات تابعة لها في جنوب سورية، أو مد الفوضى في تلك المناطق إلى الأردن لنكون أمام ساحات مفتوحة ومتشابكة، تفتح علينا أبواب الهجرات والحرب واللجوء والسلاح والتفجيرات والاستثارات والانقسامات.سيناريو الخلخلة عبر التصورات السابقة يقوم على مبدأ واحد إحداث الفوضى قبل الاحتلال، أو إحداث الفوضى عبر فئات محلية بديلة في الأردن، أو بسبب أي عوامل اقتصادية، أو أزمات أمنية قد تتم صناعتها، أو صناعة انقسامات داخلية، أو فتن، وتوظيف كل المحرمات.هذا يعني أن مشروع إسرائيل الكبرى ليس بهذه البساطة، فلن ينام الاحتلال ونصحو على دباباته على نهر الأردن، بل سيسبق ذلك تمهيدا وتوطئة، بما يوجب على الكل في الأردن تقدير الأخطار جيدا، وعدم الاستدراج نحو أزمات الإقليم، ولو تحت عناوين متعددة، وعدم جر الداخل الأردني نحو الأفخاخ، وهي أفخاخ يعرفها الناس، والمراهنة على وعيهم تبقى مرتفعة.في الوقت نفسه لا بد من إبقاء المساحات الحيوية المتاحة بدرجات متفاوتة لكل القوى الأردنية المناوئة للاحتلال، لأن هذه قوى تحشيد نحتاجها في هذه الفترة، خصوصا إذا صبت لصالح الأردن من حيث النتيجة وتحت مظلة حسابات يتوجب مراعاتها، في وجه مشروع يريد ابتلاع الأردن.بلا شك لا يمكن تقديم الأردن بصورة البلد الضعيف، فله مؤسساته وشعبه، وهناك من سيدافع عنه، أي أن افتراض سهولة تحقيق مخطط إسرائيل الكبرى، افتراض وهمي إلى حد كبير، لكن قد تحاول إسرائيل تنفيذه، ولو بشكل جزئي أيضا من خلال رغبتها بالسطو على أراض محددة مثلما جرى في لبنان، وسورية، وهذا يعني أن المخطط يبقى واردا، مع صعوبة تنفيذه.يقال كل الكلام السابق بهدف واحد، أي تحديد الخطر ومصادره، دون مبالغة وإخافة الناس، ودون تهوين عاطفي لا يقرأ الإخطار جيدا.ذاق الاحتلال الويل داخل مناطق هشة وأكثر ضعفا مثل غزة، فتجرأ على الأبرياء، وفي حالة الأردن لن يكون الأمر بهذه السهولة، حتى لو حاول نتنياهو بث الرسائل للداخل الإسرائيلي المتطرف، والظهور بصورة الشجاع الذي يريد أن يحتل كل المنطقة، فيما هو عالق في غزة حتى الآن.يريد إسرائيل الكبرى، ونحن نريد فلسطين الكبرى من النهر إلى بحرها.
هل ستحتل إسرائيل الأردن؟
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ