أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

قرقودة تكتب: عودة البذرة إلى تربتها.. قراءة في قرار خدمة العلم


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: عودة البذرة إلى تربتها.. قراءة في قرار خدمة العلم

مدار الساعة ـ

حين يتخذ ولي العهد قراراً يمس جوهر الأجيال الصاعدة، فإننا لا نقف أمام مجرد إجراء تنظيمي، بل أمام فعل فلسفي يعيد صياغة العلاقة بين الشباب والوطن. قرار سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني بإعادة خدمة العلم، جاء أشبه بعودة البذرة إلى تربتها، حيث لا حياة بلا جذور، ولا مستقبل بلا انتماء.

لقد عاش شباب اليوم زمناً سريع الإيقاع، تحكمه التكنولوجيا وتغذيه الفردانية، حتى كاد الإحساس بالواجب الجمعي يتوارى خلف نزعات شخصية متفرقة. فجاء هذا القرار في لحظة فارقة، يعيد التوازن بين الحرية والانضباط، بين الطموح الفردي والمصلحة العامة. هو استدعاء للهوية الوطنية كي تتجلى في صورة فعل ملموس، يتجاوز الكلام إلى التجربة، وينقل الشاب من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل.

خدمة العلم ليست مجرد لباس عسكري أو تدريبات ميدانية، بل هي مدرسة كبرى لتشكيل الشخصية. إنها اختبار حقيقي للصلابة النفسية، وتدريب على الصبر وتحمل المسؤولية، ودرس عميق في أن قيمة الإنسان لا تُقاس بما يأخذ من وطنه، بل بما يمنحه له. بهذا القرار، ينفتح أمام الشباب أفق جديد، حيث تتحول الطاقة المبعثرة إلى قوة منظمة، ويتحول الحلم الفردي إلى مشروع جماعي.

قد يظن البعض أن الزمن تجاوز مثل هذه البرامج، غير أن الحكمة تكمن في إدراك أن الزمن، مهما تبدّل، لا يُغني عن قيم ثابتة كالانضباط، والنظام، والعطاء. هنا تتجلى بصيرة القيادة، حين تنظر إلى ما وراء اللحظة الراهنة، فتقرأ في مستقبل الوطن حاجته إلى شباب محصّن بالمعرفة والقوة، متوازن بين العقل والعضلة، بين الوعي والإرادة.

إن عودة خدمة العلم ليست مجرد استعادة لتجربة سابقة، بل هي بعث جديد بروح مختلفة، تلائم احتياجات اليوم، وتواكب تحديات الغد. إنها عودة إلى الأصل الذي لا يفقد قيمته مهما تبدلت العصور: أن الوطن ينهض بسواعد شبابه، وأن الانتماء ليس شعاراً يرفع في المناسبات، بل هو عرق يتصبب وواجب يُؤدّى.

بهذا القرار، يؤكد سمو ولي العهد أن الأردن لا يكتفي بالاستعداد لمواجهة الحاضر، بل يبني على مهل، وبحكمة، جيل الغد. جيل يعرف أن القوة ليست في رفع الصوت، بل في ضبط النفس، وأن الكرامة ليست في ما نملك فقط، بل في ما نصنع ونبذل.

مدار الساعة ـ