مدار الساعة - كتبتالمحامية أسيل برهان الكيلاني -
في إطار سعي المملكة الأردنية الهاشمية لمواكبة التطورات التشريعية وتعزيز العدالة ذات البعد الإصلاحي، أُدخل عام 2025 تعديل جوهري على قانون التنفيذ الشرعي. وقد شكّل هذا التعديل نقطة تحول مهمة من خلال اعتماد نظام المراقبة الإلكترونية كخيار بديل أو مكمّل لعقوبة الحبس في بعض قضايا الأحوال الشخصية.صدر قانون التنفيذ الشرعي لأول مرة سنة 2013 (قانون رقم 10)، ليكون الإطار القانوني الناظم لآليات تنفيذ الأحكام الشرعية الصادرة في قضايا الأسرة. وتشمل هذه القضايا: الزواج، الطلاق، النفقة، الحضانة، الولاية، والميراث. وقد وفّر القانون منذ صدوره مرجعية واضحة لتنظيم العلاقات الأسرية والمالية وفق أحكام الشريعة الإسلامية مع انسجامها مع المنظومة القضائية الحديثة.جوهر التعديل الجديدجاء التعديل بإضافة نص إلى المادة (13) من القانون، يتيح لرئيس التنفيذ الشرعي صلاحية اللجوء إلى المراقبة الإلكترونية، حيث نصت الإضافة على ما يلي:“يجوز إخضاع المحكوم عليه للمراقبة الإلكترونية قبل اتخاذ قرار الحبس أو بعده، على أن لا يؤثر ذلك على المدة الأصلية للعقوبة، وذلك وفق الشروط والأحكام التي يحددها نظام يصدر لهذه الغاية.”هذا النص يمنح المحاكم الشرعية أداة أكثر مرونة وحداثة، تعكس توجهًا تشريعيًا يوازن بين حماية الحقوق وإتاحة الفرصة للإصلاح.آلية التطبيقسيتم تطبيق المراقبة الإلكترونية من خلال: • تركيب سوار إلكتروني على معصم أو كاحل المحكوم عليه. • ربط السوار بمركز مراقبة تابع للأمن العام. • متابعة دقيقة لتحركات الشخص والتأكد من التزامه بالنطاق الجغرافي والزمني المحدد.الأهداف المتوخاة من التعديل 1. التخفيف من سلبيات الحبس: من خلال الحفاظ على التماسك الأسري، وعدم عزل الفرد عن مجتمعه الطبيعي. 2. تعزيز العدالة الإصلاحية: فتح المجال أمام المحكوم عليه لتصحيح سلوكه دون انقطاع عن حياته اليومية. 3. البعد الاقتصادي والاجتماعي: تقليل الضغط على مراكز الإصلاح والتأهيل، وضمان استمرار المحكوم عليه في عمله ومصادر رزقه.نطاق القضايا المشمولةمن أبرز الحالات التي يمكن أن يُلجأ فيها إلى المراقبة الإلكترونية: • قضايا النفقة: لضمان دفع المستحقات دون الحاجة إلى الحبس. • قضايا الحضانة والزيارة: لمراقبة التزام أحد الأطراف بقرارات المحكمة. • الالتزامات المالية: كالميراث والأوقاف، بما يحقق سرعة وفعالية في التنفيذ.البعد التشريعي والتجارب السابقةيأتي هذا التعديل امتدادًا للتجربة التي بدأ تطبيقها في القوانين الجزائية منذ عام 2022، حيث أثبتت المراقبة الإلكترونية نجاحًا في تقليل حالات الحبس وتحقيق الردع دون المساس بالاستقرار الأسري والاجتماعي. وتوسيع نطاقها ليشمل المحاكم الشرعية يُعد خطوة متقدمة تجمع بين أصالة التشريع الإسلامي وحداثة الوسائل القانونية.إن تعديل قانون التنفيذ الشرعي لعام 2025 يشكل نقلة نوعية في الفكر التشريعي الأردني، ويؤكد التوجه نحو العدالة الإصلاحية التي تهدف إلى إعادة دمج الفرد في مجتمعه لا عزله. ويبقى تطبيق هذا التعديل مرهونًا بالنظام التنفيذي المنتظر صدوره، والذي سيحدد بشكل عملي شروط وآليات المراقبة الإلكترونية.برأيي، فإن التعديل جاء في وقته المناسب، لأنه يوفّق بين المصلحة العامة وحقوق الأفراد. فالحبس في قضايا النفقة أو الحضانة قد يؤدي أحيانًا إلى نتائج عكسية، إذ يُحرم الأبناء من النفقة أو من حقهم في الاستقرار الأسري. المراقبة الإلكترونية هنا تقدم حلًا وسطًا، يحفظ الحقوق دون أن يقطع صلة المحكوم عليه بأسرته أو عمله.لكن تبقى التحديات قائمة، وأبرزها ضرورة وجود نظام تقني وإداري محكم يمنع أي استغلال أو تلاعب، وضمان عدم المساس بخصوصية الأفراد. نجاح هذا التعديل لن يكون فقط في النص القانوني، بل في التطبيق الواقعي ومدى التزام الأطراف به.تعديل قانون التنفيذ الشرعي في الأردن لعام 2025: خطوة نحو عدالة إصلاحية متجددة

مدار الساعة ـ