أعلن ولي عهد الأردن، الحسين بن عبد الله الثاني، قبل أيام، عودةً قريبةً لبرنامج خدمة العلم (الخدمة العسكرية الإلزامية)، خلال لقائه تجمّعاً شبابياً في إربد، مشدّداً على ضرورة الاستعداد للدفاع عن الوطن، وأهمية التجارب السابقة في التجنيد الإلزامي. ويأتي الإعلان في ظلّ وضع إقليمي متوتّر، وقلق داخلي متزايد، وحاجة سياسية للوحدة الداخلية. ... تُخبرنا المعطيات أن الخدمة الإلزامية في الأردن عُلّقت أوائل التسعينيّات في ظل مناخ "السلام" (مؤتمر مدريد 1991، ومعاهدة وادي عربة 1994)، فساد اعتقاد أن البلد لم يعد بحاجة إلى تجنيد إلزامي ولا إلى جيش شعبي أو تعبئة واسعة النطاق. سلّطت الأضواء على تفعيل التجنيد الإجباري في سنوات سابقة، كما في عام 2007، ثمّ في عام 2020 مع جائحة كوفيد- 19، التي رفعت معدّل البطالة إلى 23%. حينها اقترحت الحكومة التجنيد الإلزامي وسيلةً لإعداد الشباب لسوق العمل من خلال مزيج من التدريبَين، العسكري والمهني، مع غرس الانضباط والقيم الوطنية.
يُعاد اليوم إطلاق المشروع بطريقة أوضح (وأشمل؟) في مرحلة معقّدة، لا سيّما عقب تصريحات بنيامين نتنياهو بشأن "إسرائيل الكبرى" التي دانها الأردن رسمياً في بيانٍ شديد اللهجة. لكن أسئلة أكبر تطفو في السطح: هل هي خطوة حقيقية نحو مواجهة خطر "إسرائيل الكبرى"؟ أم محاولة لإعادة تشكيل علاقة الدولة بشبابها من خلال الانضباط العسكري؟ هل يمكن أن يعالج المشروع قضايا الهُويَّة والاقتصاد حقّاً، أم سيصبح مجرّد عبء بيروقراطي آخر يثقل كاهل الشباب من دون أن يُحدث فارقاً حقيقياً؟يزداد الوضع الإقليمي توتراً، فحرب الاحتلال الوحشية مستمرّة في غزّة، وأحدثت حالة من الغليان والغضب في الشارع الأردني، وطاول سلوك الاحتلال العدوانيّ دول الجوار، وأصبحت الأطماع التوسّعية الإسرائيلية علنيةً، ليبدو السلام أبعد من أيّ وقت مضى. وقد يحقق القرار الأردني الغرضَين المتعلّقَين بالأمن والاقتصاد الاجتماعي، لكن التحدّي يكمن في إيجاد التوازن وضمان التنفيذ المُحكَم.صحيحٌ أن تعزيز قاعدة القوى العاملة يُمثل رادعاً داخلياً وخارجياً، إلى جانب الاستثمار في الاحتياطيات والجاهزية، لكن التجنيد الإلزامي قد يبرز في المعادلة الأردنية إجراءً اجتماعياً واقتصادياً أقرب إلى مكتب توظيف مؤقت منه إلى هيئة دفاع وطني، ما يثير معضلة، فالجيل الأردني الحالي يختلف عن أجيال ما قبل التسعينيّات الذين انخرطوا في التجنيد الإلزامي. الجيل الجديد متعلّم، يعتمد على التكنولوجيا الرقمية، ويعمل كثرٌ منهم عن بُعد أو في وظائف ريادية، وهم بحاجة إلى قيمةٍ واضحة، ومهارات مُعترف بها، وشهاداتٍ مهنية، وفرص عمل حقيقية، وليس مجرّد فترة رمزية في الزيّ العسكري. ولكي ينجح برنامج خدمة العلم، يجب أن تكون لديه معايير إعفاء واضحة، وعدالة في كيفية تنفيذه، ومساءلة عن التكلفة مقابل الفائدة، فمن دون هذه المعايير، يُخاطَر بتحوّله عبئاً بيروقراطياً يُعمّق فجوة الثقة بدلاً من سدّها، مع وجوب الحذر من ألّا يصبح أداةً رمزيةً لحشد الدعم في مواجهة التذمّر الداخلي، بدلاً من أن يكون جزءاً أساساً من استراتيجيةٍ دفاعيةٍ احترافيةٍ قائمةٍ على التخطيط والخدمات اللوجستية والقطاعات الداعمة.وإذا كانت الإجابة عن سؤال "الأمن أم الاقتصاد الاجتماعي؟" المرتبط بإعادة تفعيل برنامج خدمة العلم غير واضحة تماماً، فإنّ التوقيت يستدعي عودة خدمة العلم بناءً على خطّة استراتيجية واضحة: ما الهدف؟ كيف يُقاس النجاح؟ وكيف يُمكن للبرنامج ألّا يكون وهماً اجتماعياً يستنزف الثقة والموارد؟ ويبقى السؤال الأصعب: كيف يُمكن للأردن مواجهة أطماع إسرائيلية، بينما يعتمد جيشه واقتصاده على أقرب حلفاء إسرائيل؟في عام 2020، وقّعت الولايات المتحدة مذكّرة تفاهم مدّتها سبع سنوات مع الأردن بقيمة 10.15 مليارات دولار (نحو 1.45 مليار دولار سنوياً)، تغطي الدعمين، المالي والأمني. وأعقبت ذلك تحويلات نقدية مباشرة في عامَي 2023 و2024. وفي إبريل/ نيسان 2025، وافق الاتحاد الأوروبي على قرض مساعدة مالية كلّية بقيمة 500 مليون يورو، جزءاً من برامج الدعم الجارية. وهي مساعدات لطالما ساهمت في استقرار الأردن، لكنّها تُبرز معضلة الأردن الاستراتيجية منذ المواجهات المبكّرة مع الحركة الصهيونية.تكمن الأجوبة الجوهرية في بناء احترافية أردنية عسكرية حقيقية، واحتياطيٍّ فعّال، واقتصاد أقوى أقلّ اعتماداً على المانحين الخارجيين، قد تكون إعادة التنشيط ضرورية، لكنّ نجاحها يعتمد على ما سيأتي لاحقاً: مسار وظيفي واضح للشباب، وجاهزيّة عسكرية حقيقية، وتمويل أكثر مرونة. وإلّا، فإنّ برنامج خدمة العلم سيرتبط بعناوين رئيسة كبيرة ونتائج ضئيلة.
خدمة العلم في الأردن.. الأمن أم الاقتصاد الاجتماعي؟

حسام أبو حامد
كاتب فلسطيني
كاتب فلسطيني
مدار الساعة (العربي الجديد) ـ