من عاش على الشحادة، لا يعرف غير مدّ اليد وانتظار العطاء، سيموت بالفقر لا محالة، لأن الحياة لا تبنى على التواكل ولا على طلب الناس. ورغم ذلك، فإن للنفوس الرحيمة مواقفها، وللقلوب التي تعوّدت على البذل والعطاء طبعها الذي لا يتغير.
أقول هذا وأنا كثيرًا ما أجد نفسي ضحية هؤلاء الأشخاص، ممن يطرقون الأبواب أو يمدّون أيديهم، فأعلم في قرارة نفسي أن بعضهم ليس بحاجة، وأن منهم من جعل السؤال مهنةً يعتاش بها. ومع ذلك، لم أتعلّم أن أردّ أحدًا. بل صرتُ أجد الحرج في الاعتذار، حتى لو كان في داخلي يقين أنّ السائل ليس صادقًا في حاجته.أتذكر هنا قول النبي ﷺ: " أعطوا السائل ولو جاء على فرس " ، وهذا ما يجعلني أُقدّم لهم ما أستطيع، لا لأنني أؤمن بدعواهم، بل لأنني أخشى أن يكون في ردّهم كسرٌ لخاطرٍ ضعيف، أو حرمان لمحتاجٍ صادق.نعم... من عاش على الشحادة سيبقى في دائرة الفقر والضعف، لأن العطاء الحقيقي لا يكون في النقود القليلة التي يأخذها، بل في عزيمة النفس أن تقوم لتعمل وتكسب بكرامة. ولكن، وعلى الرغم من قناعتي هذه، سأبقى أعطي ما استطعت، لأنني لا أملك قسوة القلب التي تردّ سائلًا، ولا أستطيع أن أغلق يدي عمّن يمدّ يده.العطاء لا ينقص المال، ولكنه يعلّمنا أن نُطهّر قلوبنا من القسوة، وأن نحفظ لأنفسنا إنسانيتنا. وإن كان السؤال مذلة، فإن ردّ السائل جفاء، وبين المذلة والجفاء... اخترت دومًا أن أبقى على خُلق العطاء
من عاش على الشحادة أو التسول سيموت بالفقر لا محالة
مدار الساعة ـ