يمثّل الجهل السياسي أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات في زمننا، ويؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة الديمقراطية واستقرار المجتمعات. فغياب الوعي السياسي لدى الأفراد ينعكس سلباً على مشاركتهم في الحياة العامة، وسيادة الحكم الرشيد، وبناء مؤسسات قوية تعمل لصالح المجتمع ككل.
يُعرف الجهل السياسي بأنه نقص المعلومات والمعرفة المتعلقة بالقضايا السياسية، المؤسسات الحكومية، الحقوق والواجبات المدنية، وآليات المشاركة السياسية. كما يشمل عدم القدرة على تحليل الأحداث السياسية وفهم تأثيرها على المجتمع.أسباب الجهل السياسي عديدة نذكر منها : نقص التعليم السياسي وغياب المناهج التعليمية التي تركز على الثقافة السياسية ومنهجية التفكير النقدي. التضليل الإعلامي و انتشار الأخبار المزيفة، والرسائل السياسية التي تهدف إلى التشويش أو التضليل.الانتشار المحدود للمصادر الموثوقة و قلة الوصول إلى المعلومات الدقيقة، خصوصاً في المجتمعات التي تفرض رقابة أو تسيطر عليها أنظمة غير شفافة. اللامبالاة والنفور من السياسة فبعض الأفراد ينفرون من الانخراط السياسي بسبب الإحباط أو إحساسهم بعدم تأثير صوتهم. الضعف في دور المؤسسات المدنية مثل الأحزاب السياسية، النقابات، والمنظمات المجتمعية التي يمكن أن تنمي الوعي السياسي.وهناك أيضاً آثار للجهل السياسي ونذكر منها : انخفاض المشاركة الانتخابية حيث يقل إقبال المواطنين على التصويت وفعلهم السياسي، مما يضعف الشرعية الديمقراطية. التأثير السلبي على الديمقراطية حيث يصبح الحكم أقل شفافية وأكثر تأثراً بالمصالح الخاصة بدلاً من المصلحة العامة. ازدياد الفساد وسوء الإدارة وهذا يجعل المواطنين غير المطّلعين لا يطالبون بمساءلة المسؤولين ولا محاسبتهم . تفشي التطرف والأفكار المتطرفة أيضاً ، والجهل السياسي يجعل الأفراد أكثر عرضة لتبني وجهات نظر متطرفة أو الانخراط في حركات غير ديمقراطية. ضعف الدور الرقابي للمجتمع المدني وعدم وعي الأفراد يؤدي لتعطيل الأدوار الرقابية الضرورية لمساءلة الحكومة. معالجة الجهل السياسي تتمثل في عدة عوامل : تعزيز التعليم السياسي في المناهج الدراسية حيث يجب إدخال مواد تعليمية تركز على المفاهيم السياسية الأساسية، المشاركة المدنية، وحقوق الإنسان. تشجيع التعليم غير الرسمي ودورات التوعية و الندوات وورش العمل التي تستهدف شرائح مختلفة من المجتمع. دعم وسائل الإعلام المستقلة والموثوقة و توفير مصادر معلومات شفافة بعيداً عن التلاعب السياسي. تطوير دور الأحزاب السياسية والمنظمات المجتمعية لتكون قنوات فعالة لتعزيز المشاركة والتثقيف السياسي. تعزيز الشفافية الحكومية وتشجيع السلوك المدني النشط مما يخلق بيئة تشجع المجتمع على الانخراط الإيجابي.الجهل السياسي هو عائق رئيسي أمام تقدم المجتمعات وبناء ديمقراطيات مستقرة وفاعلة. ولهذا فإن الاستثمار في الثقافة السياسية والتعليم المدني ضرورة لا غنى عنها لتحقيق تنمية شاملة واستقرار مؤسسي. إن تعزيز الوعي السياسي لدى المواطنين هو السبيل الأمثل لضمان مراعاة الحقوق، دعم حكم القانون، والمساهمة في بناء مستقبل ديمقراطي يليق بأحلام الشعوب. لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق تقدمه واستقراره دون أن يكون مواطنوه على وعي سياسي حقيقي. فالجهل السياسي، رغم كونه تحدياً كبيراً، ليس حتمياً، بل يمكن تجاوزه من خلال تعليم مستنير، إعلام نزيه، ومجتمع مدني نشط. وباستثمارنا في هذه الركائز، نضمن تعزيز المشاركة الديمقراطية، تعزيز المساءلة، وبناء مستقبل يعكس تطلعات الشعوب ويحقق العدالة والازدهار. إن الوعي السياسي هو المفتاح الذي يحرر المجتمعات من قيود الجهل، ويفتح أبواب التطور الحقيقي، فليكن السعي له أولوية لكل من يؤمن بقوة التغيير.
العبادي يكتب: الجهل السياسي
مدار الساعة ـ