أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

قرقودة تكتب: امشِ صح يحتار عدوك فيك ليست مجرد عبارة عابرة


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: امشِ صح يحتار عدوك فيك ليست مجرد عبارة عابرة

مدار الساعة ـ

في البدء كان الطريق، وكان الإنسان حائرا بين دروب ملتوية وسبل مستقيمة، بين ما يزينه الباطل وما يثبته الحق. ومنذ أن وُلد السؤال الأزلي: كيف يمضي المرء في حياته دون أن تبتلعه فوضى العالم؟ جاءت الحكمة القديمة لتقول: امشِ صح يحتار عدوك فيك. ليست مجرد عبارة عابرة، بل دستور خفي يضع الإنسان أمام مسؤولية السير كما ينبغي، لا كما يريد الآخرون أن يكون.

فالمشي الصحيح ليس خطىً تُحصى على الأرض، بل بناء داخلي منسجم، يجعل كل فعل امتدادا لفكر، وكل كلمة انعكاسا لضمير. إنه أن تضع بصمتك في الوجود دون ضجيج، وأن تعبر الصعاب بوقار يشبه وقار النهر حين يتحدى الصخور فلا ينكسر، بل يلتف حولها ليواصل مسيره. هنا، تتحول حياتك إلى لغة بليغة يفهمها كل من يراك، حتى عدوك الذي يحاول أن يتصيد عثراتك، فإذا به يقف مرتبكا أمام صلابة استقامتك، عاجزا عن النفاذ إلى أعماقك.

إن العدو يتغذى على الضعف، ويترقب الهفوات كما يترقب الليل غياب النور، فإذا لم يجد فيك ثغرة، اختنق بانتظار طويل. وهنا يتجلى سر الحكمة: أنت لا تنتصر عليه بالصوت المرتفع ولا بالردود الغاضبة، بل بانضباطك الداخلي، بهدوئك العميق، بقدرتك على أن تمضي ثابت الخطى، واثقا بأن الحق أكبر من الضجيج، وأن الزمن نفسه ينحني أمام من يسير نقيا.

إنها فلسفة وجود لا تنحصر في الأخلاق وحدها، بل تتجاوزها إلى بناء هوية كاملة، حيث يصبح الإنسان سيد نفسه لا أسير أحقاد الآخرين. فحين تختار أن تمشي “صح”، فإنك تحرر ذاتك قبل أن تربك خصمك، وتثبت أن القمم لا تُفتح بالقوة العمياء، بل بالصبر والاتساق والنقاء. وهذا ما يجعل حياتك دعوة صامتة، ورسالة مستمرة، تقول للآخرين إن السمو لا يُشترى، بل يُصنع بخطوات مستقيمة لا تحيد عن جوهرها.

فالطريق المستقيم ليس مجرد مسار يُسلك، بل شهادة وجود تقول إن أعظم انتصار تحققه في حياتك هو أن تحيّر عدوك بصفائك، وتسمو على نفسك باستقامتك.

مدار الساعة ـ