أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الحسبان يكتب: إرادة عليا.. وإخفاقات حكومية وحزبية


فهد الحسبان

الحسبان يكتب: إرادة عليا.. وإخفاقات حكومية وحزبية

مدار الساعة ـ

لم يكن مشروع التحديث السياسي يومًا خارج دائرة اهتمام الدولة الأردنية. فمنذ البداية، وفر جلالة الملك عبدالله الثاني الغطاء السياسي والتشريعي اللازم لانطلاقه، مؤكدًا أن التحديث خيار لا تراجع عنه. غير أن الإخفاق لم يأتِ من غياب الإرادة العليا، بل من ضعف التنفيذ على مستوى الحكومات والأحزاب، الأمر الذي ترك الشارع أمام مشروع طموح على الورق، لكنه بطيء الحضور في الواقع.

الحكومة السابقة وضعت خطة تنفيذية واضحة، لكنها ظلت حبيسة الأدراج، ولم تُعلن نتائجها للرأي العام بلغة أرقام ومؤشرات تقنع الناس بأن شيئًا تغيّر. أما الحكومة الحالية، فلم تُظهر حتى اللحظة مبادرة نوعية تترجم وعود الاستمرارية إلى سياسات ملموسة. في المقابل، انشغلت معظم الأحزاب بمنافسة شكلية مع حزب واحد، بدل أن تنشغل في إنتاج برامج وطنية تتعامل مع أولويات المواطن. هكذا، بدا أن النصوص متقدمة على الممارسة، وأن التحديث يُدار بعقلية تقليدية أكثر مما يُدار كمسار وطني حيّ.

وفي الوقت الذي ما يزال التحديث السياسي يراوح مكانه، نجحت الحكومة – وبشهادة الجميع – في متابعة التحديث الاقتصادي والتحديث الإداري بجدية لافتة، عكست قدرة من الطراز الرفيع في إدارة الملفات الوطنية الكبرى. وهذا النجاح يؤكد أن الإرادة التنفيذية، متى تلاقت مع الإرادة السياسية، قادرة على صناعة فرق ملموس.

اليوم، لا يكفي أن نقول إن لدينا قانوني انتخاب وأحزاب جديدين، أو نظامًا معدلًا لتمويل الأحزاب؛ فالتحديث لا يعيش في النصوص وحدها، بل في الممارسة العملية. في برلمان يعكس المجتمع بدل أن ينفصل عنه، في إعلام يراقب ويحاسب بدل أن يكتفي بالتعليق، وفي أحزاب تتحول إلى مؤسسات تفكير وبرامج حقيقية، لا مجرد واجهات انتخابية موسمية.

العنصر الأهم هنا هو الشباب. فهم الأغلبية العددية، وهم الأكثر تضررًا من انسداد قنوات المشاركة. إن إشراكهم لا يعني فقط دعوات عامة، بل بناء منظومة عملية تبدأ من التأهيل السياسي والمدني، مرورًا بتمكينهم من صياغة برامج حزبية واقعية، وصولًا إلى مشاركتهم الفعلية في الرقابة وصناعة القرار. فبلا شباب، يبقى التحديث بلا مستقبل.

لكن الحديث عن الشباب وعن تحديث الحياة الحزبية يظل ناقصًا إذا لم يُعاد النظر في نظام تمويل الأحزاب. فالدعم الحالي غالبًا ما يكرّس هيمنة الفرد على الحزب ويُضعف العمل الجماعي. المطلوب هو ربط التمويل بالبرامج والإنجازات الواقعية، وتحويله إلى سلف مشروطة تُصرف على مراحل مقابل أداء حزبي ملموس. بهذه الآلية، يمكن الحد من الشخصنة وتعزيز بناء أحزاب برامجية قادرة على المنافسة في الانتخابات، لا مجرد كيانات انتخابية موسمية.

إحياء التحديث السياسي يتطلب أيضًا إلزام الحكومة بجداول زمنية معلنة لمتابعة الإنجاز، وربطها بمساءلة برلمانية وإعلامية شفافة. كما يتطلب توسيع صلاحيات اللامركزية والبلديات وربط موازناتها بمؤشرات أداء دقيقة، بما يمنح المجتمع المحلي دورًا أكبر في صياغة السياسات. إلى جانب ذلك، يمكن للجامعات ومراكز الشباب أن تكون حاضنات طبيعية لمجموعات التفكير السياسية، بحيث تتحول مشاريعهم إلى مقترحات قوانين قابلة للنقاش والتنفيذ.

الخلاصة أن الدولة قدّمت الضمانات والدفع السياسي الأعلى، لكن على الحكومة أن تبادر إلى التنفيذ بشفافية، وعلى الأحزاب أن تتحول إلى مؤسسات برامجية، وعلى المجتمع أن يمارس حقه في الرقابة. عندها فقط، يمكن أن ننتقل من نصوص التحديث إلى ممارسة التحديث، ومن شعارات التحديث إلى مسار وطني متجدد يعيد الثقة بالسياسة ويعيد السياسة إلى معناها الأصيل: خدمة الناس وصياغة المستقبل.

مدار الساعة ـ