أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

جزراوي تكتب: كسر القَيد الثّقافي.. الزّواج مسؤوليّة مُشتركة


د. لينا جميل جزراوي
مُدرّسة الفلسفة والتفكير النّاقِد جامعة الأميرة سميّة

جزراوي تكتب: كسر القَيد الثّقافي.. الزّواج مسؤوليّة مُشتركة

د. لينا جميل جزراوي
د. لينا جميل جزراوي
مُدرّسة الفلسفة والتفكير النّاقِد جامعة الأميرة سميّة
مدار الساعة ـ

يشهد العالم العربي ارتفاعًا ملحوظًا في نسب تعليم الإناث، واتساع حضورهن في ميادين العمل المختلفة، إلا أنّ هذا التقدّم لا يوازيه بالضرورة تغيّر في الوعي الاجتماعي بمفهوم الشراكة الزوجية. فما زال الكثيرون –نساءً ورجالًا– ينظرون إلى الزواج من زاوية تقليدية تجعل المسؤوليات موزّعة بشكل غير متوازن: الرجل هو المعني بالإنفاق المادي، والمرأة هي المسؤولة الأولى عن الرعاية المنزلية والأسرية.

هذا التصور يفرغ مؤسسة الزواج من بُعدها التّكاملي. فالكثير من الفتيات المُتعلمات يَعددن المساهمة الاقتصادية في الأسرة خيارًا شخصيًا أو نوعًا من الكرم، لا جزءًا من مسؤولية مُشتركة. وفي المقابل، يتمسك عدد من الرجال بقناعة راسخة مفادها أن أعمال الرعاية المنزلية والتربية منوطة بالمرأة وحدها، ما يدفعهم إلى التنصّل من تلك المسؤوليات.

وقد بينت دراسات أكاديميّة أن دخول المرأة سوق العمل ومساهمتها الاقتصاديّة لا يُعزّز استقلاليّتها فحسب ، بل يدفع الرّجل أيضًا الى مزيد من المُشاركة في المهام المنزليّة ، خصوصا عندما تُراكم الزوجة سنوات طويلة من الخبرة المهنيّة ، أو تسهم بشكل ملحوظ في دخل الأسرة .

إنّ غياب التوازن في الأدوار لا يؤثر على استقرار الأسرة فحسب، بل يضعف أيضًا من أثر تعليم المرأة وعملها. فحين تُكلَّف المرأة بعبء مزدوج –العمل خارج المنزل والقيام منفردة بأعمال الرعاية داخله– فإنها غالبًا ما تُحجِم عن سوق العمل أو تضطر إلى التراجع عن طموحاتها المهنية، وهو ما يمكن تسميته بـ “الرِدّة النسوية” نحو البيت.

من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة النظر في ثقافة الزواج بوصفه مؤسسة قائمة على التعاون والشراكة الكاملة. فالشراكة الحقيقية تعني أن يساهم الطرفان –بحسب القدرة والإمكانات– في المسؤوليات المادية من جهة، وأن يتقاسم الرجل والمرأة الأعباء المنزلية ورعاية الأبناء من جهة أخرى.

إنّ التعليم وتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا لن يحققا أثرهما المرجو ما لم يترافقا مع تغيير في البنية الثقافية السائدة. وبالمثل، فإن الرجل لا يكتمل دوره بصفته “مُعيلًا” فقط، بل شريكًا في تفاصيل الحياة اليومية، حاضرًا في الأعباء كما في الإنجازات.

وبهذا المعنى، يصبح الحديث عن الشراكة الزوجية ليس مطلبًا نسويًا فحسب، بل ضرورة اجتماعية واقتصادية في ظل تعقّد الحياة المعاصرة وارتفاع كلفتها. إنّ إعادة صياغة هذا الوعي تمثل الخطوة الأساسية نحو بناء أسر أكثر توازنًا، وزيجات أكثر استقرارًا، ومجتمعات أكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر.

ان التحديات الإقتِصاديّة والاجتماعيّة التي تواجه الاسرة اليوم لم تعد تسمح بالإبقاء على التصوّرات التقليدية التي تُعفي المرأة من المشاركة في الأعباء المادية للأسرة ، وتختزِل دورها في اعمال الرّعاية فقط. إن الإصرار على هذه القناعة لا يُضر بالمرأة وحدها ، بل يُفاقِم من أزمة الشّباب في الإقبال على الزّواج ، ويجعل مؤسّسة الزّواج أكثر هشاشة أمام متطلّبات الحياة المتزايدة.

من هنا تبرز الحاجة المُلحّة الى تغيير الثّقافة المجتمعية السّائدة ، عبر العمل مع رجال الدين، والتربويين ، والمُثقفين، والمؤثّرين في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي ، لتصحيح المفهوم القائِل إن مساهمة المرأة في نفقات الأسرة هي مجرّد " كرم أخلاق" أو فعل تطوّعي . بل ينبغي إعادة تأكيد أن الزواج مؤسسة شراكة متكاملة، وأن التعاون الاقتصادي الى جانب التعاون الاسري والوجداني هو الضّامن الحقيقي لاستقرار الاسرة .

إن الخروج من هذه الدائرة الفكرية الضيقة والانفِتاح على ثقافة الزواج التّشاركي ، يُمثّل شرطًا اساسيّا لتأسيس أسر اكثر تماسكًا ولمجتمع قادر على مواجهة تعقيدات الحياة المُعاصرة بوعي وعدالة وتكافؤ بين الجنسين.

مدار الساعة ـ