تبرز الحاجة الملحّة في أحيان مختلفة لمبادرات تُعيد التوازن بين مقدّمي الخدمات والمواطنين، حيث لا يمكن تحميل المواطن وحده عبء المالية، كما لا يمكن إغفال حق مؤدي الخدمة في تحصيل مستحقاته، والحل يكمن في مبادرات ذكية تنظّم العلاقة وتخلق مساحة للتنفس المالي، مثل تلك التي أطلقتها شركة توزيع الكهرباء.
برنامج تسوية الفواتير المتراكمة الذي أعلنته الشركة ليس مجرد تسهيل مؤقت، بل هو نموذج يجب تعميمه على مختلف القطاعات الخدمية، فالبرنامج يقدّم خطة تقسيط مرنة تمتد حتى 15 شهرا، تبدأ بدفعة أولى لا تتجاوز 15 % من إجمالي الدين، هذه المبادرة لا تعفي المواطن من دفع ما عليه، لكنها تمنحه وقتًا وقدرة على الترتيب المالي دون تعرّضه للفصل المفاجئ للخدمة، خصوصًا في قطاعات حيوية مثل الكهرباء.المبادرة لم تأتِ في فراغ، بل في لحظة تحد حقيقي، حيث واجهت المملكة موجة حر غير مسبوقة وارتفاعا هائلا في الطلب على الكهرباء، ومع ذلك، استطاع النظام الكهربائي الأردني الصمود بكفاءة، دون تسجيل انقطاعات عامة، وهو إنجاز يُحسب لكفاءة البنية التحتية وجهوزية الشركات المعنية، خاصة شركة توزيع الكهرباء، التي تغطي 70 % من مساحة المملكة.ما يلفت في هذه المبادرة أنها تمثّل فلسفة متكاملة: حماية الخدمة من الانقطاع، وتحصيل الحقوق المالية بطريقة عادلة، وتمكين المواطن من الوفاء بالتزاماته دون عجز مادي، وهذا التوازن لا يتحقق إلا عندما تتوفر الإرادة المؤسسية لفهم الواقع وتقديم حلول قابلة للتطبيق.لو طبّقنا نموذج "التقسيط المرن" هذا في قطاعات متعددة تمس المواطن مباشرة، فإن الأثر سيكون مزدوجًا: حماية المؤسسات من تراكم الديون، ورفع رضا المواطنين بتوفير آليات دفع مريحة تتناسب مع دخولهم، خاصة أن كثيرا من المواطنين لا يرفضون السداد، بل يعجزون عنه دفعة واحدة، وهنا يأتي دور المبادرة التي تفتح باب التسوية، بدلًا من باب التهديد بالفصل أو الغرامات.الجانب التنظيمي مهم أيضًا، لذلك التزمت شركة توزيع الكهرباء بجداول زمنية واضحة، وربطت الامتيازات بالالتزام بالتواريخ، ما يعزز ثقافة الانضباط المتبادل بين الطرفين، وهذه ليست مبادرة عشوائية، بل مدروسة، وتُظهر أن الشركة قادرة على العمل بمرونة دون التفريط في حقوقها.في النهاية، مبادرات كهذه لا تُقاس فقط بأثرها المالي، بل بتأثيرها المجتمعي والإنساني، حين يشعر المواطن أن هناك من يفكر في ظروفه ويمنحه فرصة، ينشأ نوع من الثقة، والثقة هي أساس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لذا، فإن تعميم نموذج شركة توزيع الكهرباء يجب أن يكون فعليا.
مبادرة تقسيط الفواتير الكهربائية
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ