بين ساعة نتنياهو التي تُعد للغزو وساعات المنطقة الدبلوماسيّة التي تحاول إيقافها، أيهما يدق أولًا؟
غزّة وبنود ما بعد النار، في المقابل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقولها بوضوح السيطرة على غزّة أمرٌ محتوم والحرب ستنتهي قريبًا.لكن.. كيف؟! هذا ما لم يقدّمه نتنياهو من أجوبة، والتقديرات العسكريّة تؤكّد بأنّ المعركة لن تكون نزهة، وقد تمتد أشهرًا وربما سنوات!فهل هي ثقة مفرطة أم مجرد تصريحات سياسيّة لشراء الوقت ولإيهام الداخل الإسرائيلي؟ما بين هذين الخطيّن تتحرك إتصالات إقليميّة مكثفة من عمّان والدوحة والقاهرة وأنقرة وواشنطن؛ لدفع تل أبيب لقبول تهدئة قابلة للتطبيق، والبناء عليها إلى أوراق سياسيّة، وإلى أوراق أمنيّة جديدة في القطاع كذلك.الفكرة بسيطة وصعبة في آنٍ واحد، أقصى دبلوماسيّة لوقف أقصى قوّة، والهدف قبول إسرائيلي لوقف الحرب، مقابل ترتيبات داخليّة لإنتقال غزّة من إدارة فصائليّة إلى إدارة فلسطينيّة ربما مدعومة عربيًا، وربما بقيادة قوّة عربيّة بغطاء دولي، مع تأكيد على إقصاء حماس من هذا المشهد من حكم القطاع.في خلفية كل هذا حماس قدّمت إشارات بقبول الورقة الحالية على الأقل، ورقة أقرب إلى طروحات سابقة للوسطاء ومن الوسطاء، بعد نفاذ كل مناوراتها، وبعد أن بات الوجود الفلسطيني اليوم على المحك، ما جعل الحركة تحت ضغوط فصائل فلسطينيّة، وكذلك ضغوط من دول المنطقة كذلك.إلى أي مدى اليوم يمكن نزع هذهِ الذرائع من إسرائيل التي تعاني من ضغوط لتقود حملة علاقات عامة على المستوى الدولي لتلميع صورتها؟نتنياهو يقول إذا ما تم الإفراج عن الرهائن تنتهي الحرب اليوم، وهل يمكن نزع هذِه الذرائع من خلال الجهود والحديث عن الترتيبات الأمنيّة وإدارة القطاع في المرحلة التي تلي الحرب من خلال إقصاء حماس منها حفاظًا على الوجود الفلسطيني وربما برعاية عربيّة؟.نتنياهو يفاوض بالنار وهو يلوّح بالنار من خلال حديثه عن ورقة احتلال غزّة والتهجير، فهو يتحدث عن نزع سلاح حماس، ونزع سلاح القطاع واستعادة الأسرى، والسيطرة الأمنيّة الإسرائيليّة والتفوق الأمني في غزّة، وربما قوات عربيّة أو قوة فلسطينيّة لا تنتمي لا للسلطة ولا لفتح ولا لحماس.كيف يمكن بناء الدول العربية على ذلك وإنقاذ الموقف لحرفها لصالح الفلسطينيين لحدٍ ما، وفيما يتعلق تجنيب العمليات العسكريّة واحتلال غزّة؟!فهل تنجح هذه الجهود في صناعة صفقةٍ شاملة تزيح حماس عن المشهد وتمنح نتنياهو السُلم لينزل عن الشجرة التي علّق نفسه عليها؟لكن السؤال يبقى هو على ماذا سيستقر الوضع في غزّة؟ هل هو على إدارة فلسطينية أم عربيّة أم وصاية دوليّة؟!فقطاع غزّة رسميًا يعاني مجاعةً، وإسرائيل تتحمل المسؤولية لعرقلتها الممنهجة لدخول المساعدات الإنسانية باعتراف الأمم المتحدة.الأمين العام للأمم المتحدة يعتبر أنّ الكلمات قد نفذت في وصف جحيم غزّة، ويقول الوضع كارثي ومن صنع الإنسان، وبأن المجاعة في غزّة لا يمكن أن تستمر من دونِ عقاب.من جهتها حركة حماس طالبت بفتح المعابر والتحرك الفوري لوقف حرب الإبادة، وضمان تدفق دخول المساعدات الإنسانيّة العاجلة إلى القطاع الفلسطيني المحاصر.ماذا بعد الإعلان رسميًا عن المجاعة في غزّة؟ وما الذي قد يختلف عمّا سبق؟!.أول إعلان من نوعه في الشرق الأوسط، والتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي وهو مرصدٌ عالمي لمراقبة الجوع مدعومٌ من قبل الأمم المتحدة أكّد بأنّ المجاعة تفشت في المنطقة الشماليّة من القطاع، وستنشر في الأرجح الشهر المقبل. مشيرًا إلى وجود أكثر من نصف مليون شخصٍ في غزّة يعيشون في ظروف مجاعةٍ تتسمُ بالجوع الشديد والموت الناتج عن سوء التغذية.يتوقع التقرير أن تمتد هذهِ الأوضاع من مدينة غزّة إلى دير البلح وخان يونس خلال الأسابيع المقبلة، إذا لم تتحسن الظروف المعيشية، ومن المتوقع أن يواجه ستمائةٍ وأربعون ألف شخصٍ مستوياتٍ كارثية من إنعدام الأمن الغذائي.التقرير يحذر من أن نصف سكان غزّة يواجهون بالفعل مستويات طارئة من إنعدام الأمن الغذائي وهي ثاني أعلى مستوى في هذا التصنيف.بإعلانِ المجاعةِ رسميًا في قطاع غزة، تكون قد تظافرت ثلاثة عوامل، وهي بأن أسرة من كلِ خمس أُسرٍ تواجهُ نقصًا حادًا في المواد الغذائية، وواحد من كلِ ثلاثة أطفال يعاني من سوء تغذية حاد، ويموت شخصان يوميًا من كل عشرة آلاف شخصٍ نتيجة للجوع.الأمم المتحدة حمّلت إسرائيل بشكل مباشر مسؤولية انتشار المجاعة.وإسرائيل ترد لا مجاعة .. إنها دعاية وتلفيق من حماس؛ لكنّ إسرائيل في دفاعها ورطت نفسها؛ لأنّها أعلنت عن أعداد الشاحنات التي سمحت بدخولها، وهذهِ الأرقام لا تغطي سوى أقل من عُشر الاحتياجات اليوميّة، فهي أدانت نفسها من حيث أرادت أن تدافعُ عن موقفها!.لكن ما يبقى حقيقةً في الأذهان ليس الأرقام فقط، بل بالصورة من غزّة.من لا يملك شيئًا لا يفرق معه مزاعم إسرائيل حول إنخفاض الأسعار في القطاع، لأنّ من لا يملك شيئًا لا يفرق معه هذا الحديث.القدرة الشرائية اليوم معدومة في غزّة وما يدخل لا يسد رمق الجائع، لكنّ الأسوأ من كل هذا أنّ أهالي القطاع عندما يتوجهون إلى طوابير المساعدات يبقون ويواجهون خيارين هما؛ إمّا ينتظرون غذائهم أو يواجهون قصفًا يستهدفهم في لحظة الإنتظار وهو ما يحدث بشكلٍ شبه يومي.ما هو مؤكد اليوم بأنّ غزّة أمام مأساة إنسانيّة محضة.مأساة يطالب المجتمع الدولي إنهائها والسماح بإدخال المساعدات وفتح المعابر بعيدًا عن أي مزايدات أو تسييس.التصنيف اليوم ضدّ إسرائيل دون أدنى شك، لكن من المؤكد ليس لصالح حماس أيضًا.حماس التي فتحت أبواب جهنم على الفلسطينين وتركتهم لمصيرهم.