أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الفناطسة يكتب: خدمة العلم.. رافعة وطنية لتعزيز الانتماء وحماية المستقبل


خالد الفناطسة
رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن

الفناطسة يكتب: خدمة العلم.. رافعة وطنية لتعزيز الانتماء وحماية المستقبل

خالد الفناطسة
خالد الفناطسة
رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن
مدار الساعة ـ

يشكّل الشباب اليوم الركيزة الأساسية التي يقوم عليها حاضر الوطن ومستقبله، ومن هنا تأتي أهمية إعادة تفعيل خدمة العلم باعتبارها خطوة استراتيجية تعزز مكانة الشباب في معادلة بناء الدولة وتطويرها، وقد لقي هذا التوجه دعمًا ورعاية مباشرة من سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني الذي أعلن عودة خدمة العلم ليؤكد بذلك على إيمانه العميق بقدرة الشباب على حمل رسالة الوطن وصون منجزاته، فالشباب هم القوة الحيوية والمحرك الرئيس لأي نهضة، ومن خلال انخراطهم في خدمة العلم يترسخ لديهم مفهوم الانتماء الحقيقي ويُغرس في وجدانهم الإحساس بالمسؤولية الوطنية.

تمثل خدمة العلم فرصة عملية لإظهار طاقاتهم في مسارات إيجابية تضمن مساهمتهم الفاعلة في مسيرة الوطن وتدفعهم للإيمان بأن واجبهم لا يقتصر على الاستفادة من مقدرات الدولة فحسب بل يتجاوز ذلك إلى حماية منجزاتها والعمل على صونها واستدامتها، لتكون خدمة العلم بمثابة مدرسة وطنية كبرى تُخرّج جيلاً واعيًا بمهامه ومؤمنًا برسالته في خدمة الوطن.

وتبرز خدمة العلم أيضًا كخط دفاع متين يسند القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية في مهمتها السامية لحماية الوطن والحفاظ على استقراره، فالمشاركة في هذه الخدمة لا تُعنى فقط بالتدريب العسكري أو الانضباط النظامي، بل تحمل في طياتها رسالة أوسع مفادها أن حماية الوطن هي مسؤولية جماعية يلتقي فيها الجيش والأمن والمجتمع على هدف واحد، وعندما يشارك الشباب في هذه المنظومة الأمنية يصبحون أكثر وعيًا بأهمية التضحية والإيثار ويشعرون بأنهم شركاء حقيقيون في حماية تراب الوطن وسيادته، وهذا الوعي يعزز مناعة الدولة أمام التحديات ويجعلها أكثر قدرة على الصمود في وجه أي تهديد داخلي أو خارجي، مما يرسخ قاعدة أن خدمة العلم ليست مجرد التزام فردي وإنما التزام وطني شامل تتشارك فيه جميع الفئات.

وإلى جانب دورها الأمني والعسكري، تفتح خدمة العلم آفاقًا جديدة أمام الشباب لتزويدهم بالمهارات العصرية والأدوات الحديثة التي يحتاجها سوق العمل المحلي والإقليمي، فالبرامج التي ترافق هذه الخدمة لا تقتصر على التدريب البدني أو الانضباط العسكري، بل تمتد إلى تأهيل الشباب في مجالات تقنية ومهارات حياتية ومهنية تساعدهم على دخول سوق العمل بثقة وكفاءة، فتعليم الشباب الانضباط في الوقت، إدارة العمل الجماعي، والقدرة على مواجهة التحديات العملية، كلها عناصر تجعل من خدمة العلم تجربة ثرية تُكسب المشاركين خبرات لا تُقدّر بثمن، كما تسهم في صقل شخصياتهم وتزويدهم بأدوات تمكنهم من التكيف مع متطلبات العصر وتسريع اندماجهم في مختلف ميادين الحياة العملية.

وتتجلى أهمية خدمة العلم كذلك في دورها الحيوي بمجال التشغيل من خلال فتح آفاق جديدة أمام الشباب لإثبات قدراتهم العملية واكتسابهم للمهارات العسكرية التي تُعد ذات قيمة عالية في حياتهم المهنية والشخصية، فالانضباط الذي يكتسبه الشاب في الخدمة يساعده على الاندماج بشكل أسرع في بيئة العمل المستقبلية، إضافة إلى أن المهارات العسكرية مثل التخطيط والتنظيم والعمل تحت الضغط والتعامل مع المواقف الطارئة تمنحه ثقة بالنفس وقدرة على إدارة شؤون حياته بفعالية، كما أن هذه المهارات تضيف إلى سيرته الذاتية بعدًا عمليًا يجعل منه عنصرًا أكثر جاذبية في سوق العمل سواء في القطاع العام أو الخاص، لتصبح خدمة العلم رافعة حقيقية للقدرة التشغيلية للشباب ووسيلة عملية لمكافحة البطالة وتعزيز الكفاءة المهنية في المجتمع.

وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة إلى تطوير برامج خدمة العلم عبر إدخال التكنولوجيا الحديثة في منظومة التدريب العسكري والمهني، بحيث لا يقتصر الأمر على التدريب التقليدي فحسب بل يمتد ليشمل أدوات رقمية وتقنية متقدمة مثل استخدام المحاكاة الإلكترونية في التدريب، وتعليم مهارات الأمن السيبراني، والتعامل مع الأنظمة الذكية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المنظومات الدفاعية والإدارية الحديثة، فإدخال هذه الجوانب التكنولوجية في برامج الخدمة يزوّد الشباب بخبرة عملية متكاملة ويجعلهم أكثر استعدادًا لمواكبة التطورات العالمية، كما أن هذه الخطوة تضمن أن تبقى خدمة العلم متجددة ومرتبطة بمتطلبات العصر، وتُرسخ دورها كأداة وطنية لتأهيل الشباب ليكونوا عناصر فاعلة ومؤثرة في ميادين الدفاع والتنمية معًا.

ولا يمكن إغفال البعد الاقتصادي الذي تحمله خدمة العلم، فهي تساهم بصورة مباشرة في رفد الاقتصاد الوطني بطاقات بشرية مؤهلة ومدربة، وتغرس في نفوس الشباب قيم الالتزام والانضباط والإنتاجية التي تُترجم لاحقًا في مواقع العمل المختلفة، كما أن رفد السوق بكفاءات شبابية مدربة يخفف من نسب البطالة ويفتح المجال أمام مبادرات ريادية ومشاريع إنتاجية تساهم في تنشيط عجلة الاقتصاد، مما يجعل خدمة العلم عاملًا مساعدًا على تحقيق التنمية المستدامة ورفع مكانة الوطن اقتصاديًا، فهي ليست مجرد التزام عسكري أو وطني قصير المدى، وإنما استثمار بعيد الأمد في قدرات الأجيال التي ستحمل على عاتقها مستقبل الدولة وتعمل على تعزيز قوتها وازدهارها.

مدار الساعة ـ