ها هو العام الدراسي الجديد يُطل علينا كفجرٍ باسقٍ يحمل بين أنواره بشائر الأمل، ويُجدّد في النفوس العزائم، ويوقظ في القلوب الشغف بالعلم والمعرفة. فما العودة إلى مقاعد الدراسة إلا عودة إلى ميادين الجِد، ومرافئ الطموح، وسبل الرقي التي بها تعلو الأمم وتُشيَّد الحضارات.

لقد تهيّأت مدارسنا بأبهى صورة لاستقبال فلذات الأكباد؛ فالساحات ازدانَت، والصفوف أُعدّت، والمعلمون صفّوا قلوبهم وعقولهم قبل أن يصطفوا في ميدان التعليم. إن المدرسة ليست جدرانًا تُحيط بالطلبة، بل هي منارة هداية، وحديقة قيم، ومصنعٌ تُبنى فيه العقول وتُهذّب فيه الأرواح.

وإنّ شريعتنا الإسلامية لتجعل من طلب العلم عبادةً وفضيلة، وترفع من شأن أهله ومكانتهم، قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]. وقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب". فأي منزلة أسمى من منزلةٍ يُرفع فيها شأن الإنسان بالعلم، وتُزكّى نفسه بالقيم، وتُخلّد آثاره في حياة الناس بعد رحيله.

إن مطلع هذا العام الدراسي دعوة متجددة لكل طالبٍ ليشحذ همته، ويستحضر نيته، وليجعل من أيامه صفحات مجد تُكتب بحبر الجد والاجتهاد. وهي نداء للأسرة أن تكون الداعم الأول، وللمعلم أن يكون القدوة والموجّه، وللمجتمع أن يُحيط أبناءه بسياجٍ من رعاية وتقدير.

فلنجعل من هذا العام موسمًا للبذل والعطاء، وميدانًا تُبنى فيه الطاقات، ونبراسًا يُضيء دروب الأمل في قلوب أبنائنا. نسأل الله أن يجعله عامًا زاخرًا بالخير والبركة، وأن يرزق أبناءنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يوفقهم ليكونوا رجال الغد وصانعي المستقبل.

فبالعلم نرتقي، وبالقيم نسمو، وبالإخلاص نُشيّد صرح أمةٍ تليق بمجدها وعراقتها.

بالعِلم تُبنى العقول، وبالقيم تُصان النفوس، وبهما تُشيَّد الأوطان.