أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف جامعات خليجيات دين مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

طارق الحموري يكتب: سيناريوهات الحرب الإسرائيلية على الأردن.. بين خطاب الوهم ومعادلات الواقع

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,رئيس الوزراء,المملكة الأردنية الهاشمية,حزب الله,وسائل التواصل الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

التاريخ 20/8/2025

مدار الساعة - كتب: الوزير السابق طارق الحموري -بينما تتصاعد التوترات في المنطقة وتتصاعد التصريحات المثيرة للجدل، برزت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حول ما اسماه "حلمه" باحتلال اجزاء واسعة من الدول العربية. وتبادر إلى ذهني سؤالان جوهريان وأنا استمع لهذه التصريحات:

أولا: هل تصب تصريحات نتنياهو في خانة الاستهلاك السياسي الداخلي، في محاولة للظفر بأصوات الناخبين من اليمين المتطرّف المتعطّش لمثل هذه الشعارات، خصوصاً في ظل اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، لتتلاشى بذلك هذه التصريحات الرعناء بمجرد انتهائها، تاركة خلفها فراغًا بين الخطاب الإعلامي والطموحات الواقعية؟

ثانيا: كيف لإسرائيل بهذا التعداد السكاني المحدود، أن تجرؤ على "الحلم" -كما وصفه نيتنياهو- باحتلال هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة، التي يسكنها أكثر من عشرين ضعف عدد سكان دولة الاحتلال بحسب أدنى التقديرات؟ فالاحتلال يتطلب تواجدًا عسكريًا دائمًا وواسع النطاق على الأرض، وهو ما يفوق إمكانيات الجيش الإسرائيلي الحالية مهما حاول تصوير قوته بمبالغات إعلامية.

إن التفكُّر في هذه الأسئلة بمنظور علميّ واستراتيجيّ يفضي إلى نتائج مثيرة للقلق؛ فالوعود الانتخابية من جهة ليست مجرد كلمات عابرة بل مرآة تعكس فهم الواعد لشغف ناخبيه الموعودين، وفي حالة نتنياهو، يبدو أن شغف غالبية جمهور الناخبين الإسرائيليين يتمثل في احتلال هذه الدول بالطريقة التي أعلن عنها صراحة. ومع غياب السقف المحدد لولاية رئيس وزراء إسرائيل، ومع اعتماد بقائه خارج السجن على استمرار وجوده في السلطة، يصبح ما أعلن عنه أكثر من مجرد خطاب انتخابي؛ ليغدو بذلك وعداً سياسياً استراتيجيّاً قد يسعى لتحقيقه بكل الوسائل المتاحة وبكل ما اوتي من قوة، الأمر الذي سيضع المنطقة أمام احتمالات خطيرة.

ومن جهة أخرى و فيما يتعلق بقدرة إسرائيل على احتلال هذه المساحات، فإن التمعّن بتاريخ المنطقة -سواء القديم نسبيًا أو الحديث- يكشف بوضوح عن أسلوب عملها المبتكر في فرض النفوذ، فاستراتجيتها لا تبدأ عادة بالاحتلال العسكري المباشر بل عبر زرع الفتن الداخلية وإضعاف البُنى السياسية و الاجتماعية للدول المستهدفة لتحويلها إلى ساحات صراع ذاتي، لتستثمر عقب ذلك في التحالف مع أحد أطراف النزاع المحليين ليكون ممثلا لها على الأرض.

وقد شاهدنا هذه السياسة تتجلى بوضوح في لبنان وغزة وإيران وسوريا، فعندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام (1982) لم يكن دعمها الأول يتجسد في الجنود والدبابات على الأرض بل في المظلومية والانقسامات الداخلية وبالتحالف مع حلفائها في الداخل اللبناني، حيث تأججت المظلومية بين المسلمين والمسيحيين ضد بعضهم البعض، ومظلومية اللبناني والفلسطيني ضد بعضهم، بالإضافة إلى صراعات طائفية داخل كل طائفة، كالشيعي ضد الشيعي (حركة أمل وحزب الله)، المسيحي ضد المسيحي، والدرزي في مواجهة الآخرين.

هذا كله أدى إلى وصول السيناريو الشيطاني لاقتتال مسلح شامل في حرب (الجميع ضد الجميع)، حيث أصبحت الحاجة إلى حليف خارجي مطلبًا ضروريًا لبعض الأطراف. وهنا تدخلت إسرائيل لتكون الحليف الخارجي لبعض هذه الفصائل، ما مكّنها من فرض نفوذها على الأرض بتكلفة محدودة جدًا مستغلة بذلك الانقسامات الداخلية لإضعاف البُنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع اللبناني، بحيث أفقدته القدرة الجمعية على المقاومة.

كما تجلّت هذه الاستراتيجية الشيطانية مرارا و تكرارا في غزة وإيران وسوريا؛ مؤكدة اعتماد اسرائيل على استغلال الانقسامات الداخلية لتمكين إقليمي و سياسي دون اللجوء إلى احتلال عسكري شامل، ففي غزة سعت اسرائيل لتفكيك نسيج المجتمع على أُسس دينية وسياسية وعشائرية، لتخلق بذلك حلفاء محليين على الأرض أمثال "أبو شباب"، يكونون بمثابة أدوات مباشرة لتحقيق أهدافها وخوض حربها نيابة عنها، لتكون بذلك قد حوّلت الانقسامات الداخلية إلى قوة استراتيجية تتيح لها فرض إرادتها وتوسيع نفوذها دون الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة.

ومؤخرًا، شرعت إسرائيل في زرع بذور الفرقة في إيران آملة في دفع المواطنين نحو إسقاط النظام، مستندة إلى الانقسامات العرقية (بين الكرد والبلوش والكزخ والفرس؛وهي مكونات عرقية وازنة)، إضافة إلى الانقسامات الطبقية وخطاب المظلومية والفساد (الذي يحمل جزءًا كبيرا من الحقيقة)، وغيرها من قواعد المظلومية بُغية تغذية الصراعات الداخلية. إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، إذ لم تتمكن اسرائيل من تفكيك نسيج المجتمع الإيراني، بل زادته هذه الضغوط تماسكًا وصلابة في حربه، ليحافظ وعي المواطنين على صمود الدولة رغم كل الظروف الموضوعية التي كانت توحي بإمكانية انهيار النظام، ما يعكس قدرة المجتمعات المتماسكة على مواجهة التحديات الخارجية.

ويبرز نموذج رابع في سوريا، حيث سعت إسرائيل إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في السويداء مستفيدة من الانقسامات الطائفية والقبلية، متبنية منهجية تتكرر عبر تجاربها السابقة: إضعاف الدولة عبر استغلال الانقسامات الداخلية قبل أي مواجهة مباشرة وبناء التحالف مع أحد الأطراف.

لكل ما تقدم، نستطيع القول بأن اسرائيل في مسعاها الى تحقيق "حلمها" -على حد ما اسماه رئيس وزرائها نتنياهو- بالتمدد واحتلال أجزاء من دول الجوار ومنها المملكة الأردنية الهاشمية، لن تلجأ إلى الحرب العسكرية التقليدية في البداية، بل ستشرع بخلخلة و هدم التماسك المجتمعي وتمزيق النسيج الاجتماعي أملا بمظلوميات كبيرة، فانقسام مجتمعي يتسلسل حتى يتحول إلى صراعات داخلية، لتتحالف على إثر ذلك مع واحد أو أكثر من الفرقاء لا قدر الله.

لذلك، من المرجح أن نشهد في الأردن في المستقبل القريب تصاعد مظالم إقليمية ومناطقية وطبقية وطائفية أو غيرها، يتم الترويج لها بشكل ممنهج عبر وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتشكيل الوعي العام وإعادة رسم الانقسامات الاجتماعية، وستصدر بعض هذه الرسائل عن أردنيين حسنيّ النية إلا أن تأثيرها سيُستغل بشكل واسع من قبل آليات مدروسة للتلاعب بالرأي العام وتوجيهه وفق أهداف استراتيجية خفية. وسيتبع ذلك تدفق مستمر من رسائل شخصية وهمية، وآراء تُحمّل الآخر المسؤولية على أُسس إقليمية ودينية وطبقية واجتماعية وغيرها مع تصاعد تدريجي في لغة الخطاب وحدَّتها، ما يهيئ البيئة لصراعات داخلية محتملة واستقطابات مجتمعية متنامية ويجعل المجتمع أكثر هشاشة أمام أي تدخل خارجي أو استغلال سياسي لاحق، لا قدر الله.

إن هذا السيناريو ليس مجرد افتراضات نظرية، بل هو واقع قائم يستند إلى منهجية عمل إسرائيل التي تجسدت أمام أعيننا كما أوضحنا سابقًا. ويبقى السؤال الأهم: كيف يمكن التصدي لهذه المخاطر، والمحافظة على تماسك المجتمع وحماية الدولة من محاولات التفكيك ؟

أعتقد أن هنالك ينبغيات أساسية يجب التنبه لها والبناء عليها، ومنها:

ينبغي أن نعظم الجوامع المجتمعية ونسلط الضوء عليها، وأن ننبذ الفوارق وأسبابها، فقد صمدت إيران رغم تعدد أعراقها ومكوناتها بفضل الالتفاف حول الدولة، فكيف لا نصمد نحن، ونحن جميعنا منصهرون في عرق واحد متحدين حول مصالحنا العليا وحصننا الوطني المشترك.

وينبغي أن نلتفت إلى تفاوت آرائنا وتوجهاتنا بعين التسامح وأن نحملها على محمل النية الحسنة متجنبين الانغماس في التخوين وجلد الذات، فالتفاهم والاحترام المتبادل يشكلان حجر الأساس لوعي جماعي متماسك وقادر على مواجهة التحديات.

كما ينبغي أن تعمل الحكومة والمثقفون والسياسيون على تحصين الرواية الإعلامية الوطنية بمزيد من المكاشفة والصراحة والصدقية والوضوح، لتكون درعًا حقيقيًا في مواجهة التشويش ومحاولات الاستغلال الخارجي. وفي ذات الوقت ينبغي علينا أن نمنح الرواية الإعلامية الرسمية قدرًا من الثقة والاعتبار؛ فبالرغم من ضعفها أحيانًا وأخطائها أحياناً، وخطايا الراوي في حالة بعض الرواة أحيانا أخرى وما قد ينجم عن ذلك من تشويش على المعلومة، فإن التاريخ يثبت أن الغالبية العظمى مما يُقدَّم في الرواية الرسمية دقيق يعكس الواقع بصورة صحيحة.

وينبغي ألا نجعل أحاديث المرجفين والمشككين في مواقف الأردن تهز ثقتنا ببعضنا البعض أو تهدد وحدتنا الوطنية، لأن الوعي المشترك والتماسك الداخلي هما الدرع الحقيقي أمام أي محاولة لتقويض أمننا واستقرارنا.

والأهم من ذلك، يجب أن نمتلك الإيمان الكامل بأنفسنا وبقياداتنا، وبقدرتنا على الانتصار والصمود رغم كل الظروف والتحديات، ومراهنات بعض الأعداء والأعدقاء على هزيمتنا... فالثقة بالنفس وبالقيادة وبالمؤسسات الوطنية هي حجر الزاوية في صون سيادتنا وحماية مصالحنا واستقرارنا.

حمى الله الأردن وشعبه العظيم وقيادته الحكيمه


مدار الساعة ـ