نفت دمشق ما نشرته وسائل إعلام عن اتفاق أمني سوري إسرائيلي سيوقع نهاية الشهر المقبل. لكنها أكدت في بيان رسمي خبر لقاء وزير خارجيتها أسعد الشيباني مع الوزير الإسرائيلي روني ديرمر، وهو الوزير الأقرب لنتنياهو والمفاوض باسمه في الملفات الإقليمية المهمة.
ليس هذا أول اللقاءات بين الجانبين، فقد سبقه اجتماعات في عواصم أجنبية، تولى الجانب الأميركي الإعلان عنها. كانت الأخبار عن مثل هذه الاجتماعات مثيرة جدا لاهتمام المراقبين، فمن كان يظن سابقا أن جماعة إسلامية متشددة كالتي يمثلها النظام الحاكم في سورية، تقبل على هذا النحو على بناء جسور العلاقة مع إسرائيل.بالعودة إلى الوراء قليلا، والتدقيق في سلوك جماعة الرئيس أحمد الشرع عندما كانت تحكم منطقة إدلب، يتضح أنها قد نأت بنفسها تماما عن الاشتباك مع المعادلة الإسرائيلية، وكان جل اهتمامها ينصب على مقارعة نظام بشار الأسد وحلفائه في ما كان يعرف بمحور الممانعة، وعلى رأسهم إيران وحزب الله.وثمة معلومات غير مؤكدة تناقلتها وسائل إعلام عن اتصالات قديمة لإسرائيل مع هيئة تحرير الشام منذ سنوات خلت. لكن المؤكد أن نجاح هذه الجماعة المسلحة في"فتح" دمشق وإسقاط نظام الأسد كانت واحدة من أهم نتائج الحرب متعددة الجبهات التي شنتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر.بمعنى آخر، حصل ما يمكن تسميته بلقاء مصالح في لحظة تاريخية فارقة، لكنه لم يفض لاتفاق تاريخي بعد بين الطرفين.إسرائيل لا يعنيها استقرار سورية في المستقبل، وتوظف ورقة الأقليات لابتزاز نظام الشرع وفرض شروطها عليه. تعرف حكومة نتنياهو أن الشرع في وضع انتقالي حرج ولا يملك هامش المناورة. وحكومة دمشق تدرك أن الصدام مع إسرائيل في هذه المرحلة يعني خسارة مؤكدة لسلطتها، ودخول سورية مرحلة التفتيت لا التقسيم.واشنطن تضع ثقلها الدبلوماسي لإبرام الصفقة بين دمشق وتل أبيب، وثمة بعض التباينات في الموقف بينها وبين حكومة نتنياهو، ليس حول مقاربة دمشق فحسب، بل لبنان أيضا التي تقف على مفترق طرق خطير.تدعم إدارة ترامب حكومة الشرع، بتوصية عربية، بوصفها الخيار الوحيد المتاح، وبديله الفوضى التي لا تخدم أحدا في المنطقة والعالم. حكومة نتنياهو تعد إسقاط نظام الأسد إنجازا لها، لكن لم تحسم موقفها بشأن النظام الجديد في سورية، وتريد إعادة ترسيم العلاقة معه، وفق مصالحها. معاهدة سلام كامل بين الطرفين، تبدو بعيدة المنال. وربما لا يعني ذلك إسرائيل أساسا. ما يهمها ترتيبات أمنية واسعة النطاق في الجنوب السوري، وحضور أمني إسرائيلي في تلك المناطق، وحكومة سورية متعاونة في كبح جماح الجماعات المحسوبة على إيران التي تمثل لنظام الشرع العدو رقم واحد.في ضوء الوضع العربي المتدهور، تملك إسرائيل أفضلية لفرض شروطها على دمشق. ليس أمام الأخيرة من خيارات، فالبديل لرفض اتفاق أمني، عربدة إسرائيلية لا تتوقف في سورية، قد تفضي إلى تقويض سيطرة النظام السوري، وانفكاك ما تبقى من حلقات الدولة السورية، وأكثر من ذلك عودة إيران وفصائلها لمسرح العمليات السورية.ما أصعب الحقيقة عندما لا يكون هناك فرصة لتجاهلها. بقاء نظام عربي في الحكم صار مرهونا برضى تل أبيب.
سورية.. ما أصعب الحقيقة
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ