بدل أن نتنافس على الإنجازات، أصبحنا نتصارع على الخيبات، بدل أن ندقق بالواقع الصعب، ونتوافق على فهمه، ونتجاوز أخطاءنا فيه، لضمان مستقبل بلدنا المحاصر بالأخطار، أصبحنا نهرب إلى الماضي ونستدعي أسوأ ما فيه، ثم نحوّل هذا «الأسوأ» إلى قضية نقاش عام نختلف حولها، ونتبادل الاتهامات، نستنزف طاقاتنا، ونشوه إنجازاتنا، ونُصغّر مؤسساتنا في أعين أجيالنا، كأن ثمة من يريد لنا أن ننام بين القبور، وتطاردنا الكوابيس المزعجة.
من نلوم؟ لا أريد أن أُقلّب المواجع، ما حدث في بلدنا -منذ عامين على الأقل، وليس منذ أسبوعين فقط - يضعنا جميعا؛ إدارات الدولة ونخب المجتمع، في دائرة اللوم، نحن نتقاسم ما حصل من أخطاء، من ركب موجة الحرب وساق فينا نحو فتح الحدود، وحاول أن يستخدمنا ورقة في سباق المقاولة لحساباته السياسية أخطأ، من خرج من رحم إداراتنا العامة واختبأ أو هرب من واجبه الوطني في الدفاع عن بلده أخطأ، من نبش الماضي ووجّه سهامه لمؤسسات الدولة للتطهر من تاريخه أو لتسديد فواتيره السياسية مع الآخرين أخطأ، من وجد في بيدر حصاد الخيبات فرصة للتطفيف من «مكاييل» بلدنا من أجل أن يستوفي حسابه حتى لو خسر الأردن أخطأ، والنتيجة كلنا بسبب هؤلاء خاسرون. الآن يجب أن نخرج من دائرة التلاوم، لا يوجد أمامنا أي مبرر للاستمتاع بالفرجة على مباريات سياسية منزوعة من الروح الوطنية، لا مصلحة لبلدنا، أبداً، بممارسة لعبة التكسير وافتعال الأزمات والاحتقانات، لا وقت لدينا للاسترخاء والترويج لمسرحيات العبث والإلهاء، بلدنا يتعرض في هذه المرحلة لامتحانات واستحقاقات خطيرة، محاولات تقويض أمننا الاجتماعي وزعزعة ثقتنا بأنفسنا وببعضنا بعضاً وبمؤسساتنا أصبحت مكشوفة، نحن في مرمى النيران من أكثر من جهة وعلى اكثر من جبهة، خيارنا الوحيد أن نتماسك ونصمد ونتوحد على الأردن ومن أجله. إدارات الدولة تتحمل مسؤولية ضبط إيقاع النقاش العام، وتحديد اتجاهات البوصلة الوطنية، كل مسؤول عليه واجب الالتزام بما أقسم عليه، الأردنيون بمختلف أطيافهم وأطرهم السياسية والاجتماعية مطالبون بالخروج من حالة الشك والإحساس بالمظلومية والاستغراق بالسواد العام إلى حالة الاستنفار والحذر، هنا تقع المسؤولية الكبرى على عاتق (العقلاء) الذين يمثلون المجتمع، أو يعتقدون أنهم أصحاب الوجاهة فيه، لابد أن يتحرك هؤلاء (خيرة الخيرة) بموقف وخطاب واحد، عنوانه حماية الدولة الأردنية والالتفاف حول العرش والجيش، وتمكين قواعد (الأسرة الأردنية الواحدة) والتصدي لأي محاولات لاختراقها أو زعزعة تماسكها.بصراحة، ثمة من يحاول العبث بساعتنا الوطنية لكي تدور عقاربها عكس اتجاه مصالحنا واستقرار بلدنا، وثمة من يريد أن نقع في فخ الحروب الداخلية الباردة التي تفضي إلى صناعة مجتمع هشّ قابل للانقسام، الأخطاء في الأزمات الكبرى، سواء أكانت بريئة أو خبيثة، تدرج في باب الخطايا التي لا تغتفر، وعليه من ليس لديه كلمة خير أو موقف شرف يصب في مصلحة الأردن فليصمت، أما الذين يدسون السم بالدسم، ممن لا يُقدّرون الوطن الذي أكرمهم، هؤلاء يكفي أن نقول لهم : كشفناكم، خاب مسعاكم.
نتوافق أم نتقاسم الخيبات؟
مدار الساعة (الدستور الأردنية) ـ