أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

السعايدة يكتب: ما الذي تريده 'إسرائيل'، وكيف نجابهه..؟


راكان السعايدة
نقيب الصحفيين الأردنيين السابق

السعايدة يكتب: ما الذي تريده 'إسرائيل'، وكيف نجابهه..؟

راكان السعايدة
راكان السعايدة
نقيب الصحفيين الأردنيين السابق
مدار الساعة ـ

إن إجابة هذا السؤال المركب تحتاج أولًا أن نضع أنفسنا، بتجرد، مكان هذا الكيان لنعرف كيف يفكر وماذا يريد، ومن ثم ثانيًا أن نصمم مقاربة منطقية مبنية على الوعي به لمجابهة سياساته ومخططاته.

في البدء ندرك أن "إسرائيل" في مأزق حقيقي، ويشعر قادتها، السياسيون والعسكريون والمفكرون، أن كيانهم يواجه تهديدًا وجوديًا جديًا، في ظل تآكل كل شيء والانقسام في كل شيء وعلى كل شيء.

تآكل عسكري للقدرات القتالية، وتهرب الجنود من الخدمة، وانقسامات سياسية حادة، وتراجع اقتصادي كبير، وتوتر اجتماعي، وشبه عزلة دولية متزايدة.

هذه كلها معطياتها واضحة على الأرض، أدى إليها فشل الكيان في تحقيق أهدافه في قطاع غزة (...) باستثناء الإبادة الجماعية التي هي تعبير دقيق عن أن الكيان مأزوم في قدراته ووجوده.. ولكن.

ولكن هذه معناها أن الكيان، وعلى رغم كل أزماته ومآزقه، صامد، ليس بفعل قدراته الذاتية المتآكلة، وإنما بفعل الغطاء الأميركي الكامل، والغربي، الذي لن يقبل بأن تهزم، بشكل نهائي، قلعته المتقدمة في المنطقة.

فأميركا تتحدى العالم كله في دعمها "إسرائيل"، عسكريًا وسياسيًا، وتوفر لها الغطاء الذي يبقيها صامدة برغم السقوط الأخلاقي والقيمي والانساني الذي لطالما استخدمته واشنطن لتسويق نفسها على العالم.

والسبب الأميركي أن "الكيان القلعة" أداتها للهيمنة على المنطقة، والآن أداتها، أيضًا، لتفكيك الشرق الأوسط وإعادة تركيبه من جديد، بسياسات وحدود جديدتين، في سياق صراعها مع الصين وروسيا.

وهنا بيت القصيد، ومن هنا يبدأ فهم ما تفعله "إسرائيل" في المنطقة، وإجابة السؤال العنوان، متجاوزين قدرة الكيان على الاستمرار من عدمه لأن أميركا متكفلة، تاريخيًا، بذلك وتمكنه من مواصلة مشروعهما المشترك في غزة وخارجها.

كيف ذلك..؟

بداية نفهم أن "إسرائيل" تريد إنهاء حكم حركة حماس في القطاع وتفكيك قواها العسكرية، واستعادة أسراها، وتهجير سكانه أو أغلبهم على الأقل، أي الهدف الجوهري هو تصفية المقاومة في قطاع غزة نهائيًا والتحكم الكامل بمستقبل القطاع مدنيًا وعسكريًا وأمنيًا.

الملاحظ هنا أن "إسرائيل" وأميركا لم تنتظرا إلى أن يتم لهما ما يريدان في غزة، ومن ثم الانطلاق إلى المحيط الفلسطيني والعربي، بل استغلتا الوضع الراهن لتوسيع دائرة أهدافهما والعمل على تحقيقها في غير ساحة.. كالتالي:

أولًا: تصفية فكرة الدولة الفلسطينية، والإجماع الصهيوني متحقق على رفض كامل لإقامة دولة فلسطينية، لذلك عملت على خطين في الضفة، تصفية كل نواة مقاومة فيها، والاستيلاء على مزيد من الأراضي عبر توسيع المستوطنات وزيادة البؤر الاستيطانية، وفصل القدس المحتلة بالكامل عن الضفة، وفصل شمال الضفة عن جنوبها.

أي تقطيع أوصال الضفة المقطعة أصلا بالحواجز والمستوطنات والبؤر الاستيطانية، بمزيد من ذلك، وبما يمنع نهائيًا إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة وذات سيادة، مع ما يعنيه ذلك من تهجير سكان الضفة باتجاه الأردن.

ثانيًا: بعد إضعاف حزب الله، وسيطرة "إسرائيل" على جنوب لبنان، يتضح أن الهدف أبعد من مجرد تصفية كل أشكال القوى المقاومة في لبنان إلى فرض سيطرتها، أو بلغة أدق الاستيلاء على الأراضي حتى نهر الليطاني، في سياق مشروع "إسرائيل الكبرى".

وهذا معناه أن لبنان الخاضع الآن للإملاءات الأميركية والشروط الإسرائيلية، سيفقد جزءًا من أرضه، ويُحكم من سلطة مرتبطة ومتعاونة كليًا مع "إسرائيل".. فهل يتم ذلك؟

على الأرجح أن لا يتم بهذه البساطة، فحزب الله وقاعدته الاجتماعية سيخوضان مواجهة داخلية قاسية لإدراكهما أن تسليم الحزب سلاحَه يعني تصفية حتمية لوجودهما السياسي والاجتماعي، وأي حرب أهلية في لبنان ستنتهي بتقسيم لبنان، فإذا كان اتفاق الطائف قسّم السلطة بين المكونات اللبنانية، فأي اتفاق طائف جديد سيقسمها جغرافيًا.

ثالثًا: بعد سقوط النظام السوري وجدت "إسرائيل" الفرصة سانحة لتدخل أعمق في سوريا، فالنظام الجديد هش ولا يملك السيطرة ولا القدرة على التصادم مع الخارج، فاستولى الكيان على مناطق سورية ما كان يحلم بها.

الأهم هنا، أن الكيان وجد له موطئ قدم في السويداء، وظهر وكأنه وصي عليها وتحت حمايته، وهو ما حصل بالفعل، والسويداء بالمعنى "الإسرائيلي" رأس رمح لها في سوريا، والأساس الذي سينطلق منه تقسيم سوريا وإنشاء ما يسمى "ممر داود".

وبمقدور "إسرائيل" أن تبني تحالفات استراتيجية مع مشاريع دويلات في سوريا، الدرزية والكردية وحتى العلوية.

علينا أن نلاحظ هنا ملاحظة مهمة جدًا، وهي أن إسرائيل تمهد لتدخلها التفكيكي الحاسم في لبنان وسوريا بخلق الفوضى وتعظيمها، التي ستتحول لاحقًا لذريعة وحامل لهذا التدخل.

في لبنان يشكل قرار الحكومة نزع سلاح حزب الله مقدمة للتصادم الداخلي الذي تتوقعه "إسرائيل" وتريده كي تنقض على لبنان وتصممه أو تقسمه على مقاسها، وتنتزع أرضا منها.

في سوريا تشكل السويداء رأس رمح الفوضى المتعاظمة التي ستكون المبرر للاستيلاء على القنطيرة ودرعا والسويداء إلى حدود العراق مع كردستان، فتأخذ الجولان للابد وتنشئ منطقة عازلة على مقربة من دمشق.

ماذا عن الأردن..؟

أهم ما أريد قوله أن "إسرائيل" تمهد لتدخلها في أي مكان بصنع الفوضى والتصادمات داخله، ولنا في لبنان وسوريا نموذج حي، هذه الفوضى وتجلياتها التصادمية تكون بمثابة الثقوب التي يتسلل منها الكيان.

لذلك، علينا أن نقرأ بالعمق تحركات "إسرائيل" في لبنان سوريا، ومن قبلُ في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يجوز أن نقرأ كل تحركاتها في كل دولة بمعزل عن الأخرى، القراءة يجب أن تكون شاملة لفهم الترابط بينها.

القراءة، أيضًا، يجب أن تشمل توقعات التدخل الإسرائيلي- الأميركي في العراق لتصفية القوى الموالية لإيران وتجدد الحرب مع أيران نفسها.

إن القراءة والتقييمات الشاملة تمنح الأردن القدرة على فهم أعمق للمسارات والمآلات، وقدرة أكبر على فهم الأردن في العقلية الصهيونية (...) ولا شك عندي أن الدولة الأردنية ذكية بما فيه الكفاية لفهم هذه الأمور كلها، ويبقى مطلوب من الأردن الرسمي أن يصمم مقاربة لمواجهة الأخطار..

مقاربة تحصن الداخل تحصينًا منيعًا، وتفتش في تحالفات خارجية متنوعة ووازنة، ومن قبل العمل مع مصر لإفشال عمل الكيان في كل الساحات ابتداء من قطاع غزة مرورا بالضفة وليس انتهاء بما يخطط للبنان وسوريا.

وعلينا أن ندقق جيدًا في عبارة رئيس وزراء الكيان بنيامين نتانياهو عندما أكد تأييده لرؤية "إسرائيل الكبرى" تضم أجزاء (ركزوا على أجزاء) من الأردن ولبنان وسوريا ومصر..

فالأجزاء مقدمة المشروع الأكبر، وتصفية قوى المقاومة (بما فيها اليمن العصية) والتلاعب بالدول المنافسة متطلب لإقامة المشروع بشكله النهائي والهيمنة المطلقة على الإقليم.

أختم بسؤال العارف: لماذا لا يفكر الأردن ومصر ولبنان وسوريا في بناء جبهة سياسية، وأتمناها عسكرية أيضًا، لمجابهة المشروع الصهيوني وإلزام تل أبيب ومن خلفها واشنطن بالشرعية الدولية؟.

مدار الساعة ـ