مدار الساعة -أنا الابن الأصغر لوالدي، توفت أمي وأنا عمري 19 سنة، وكانت قد زوجت كل إخوتي وأخواتي هي وأبي، حيث بنوا لإخوتي الذكور بيوتاً على أراضٍ لوالدي، وبقيت قطعة أرض لأمي كانت قد أوصت بها بأن تكون لي، حيث قالت: لأختي إذا الله تعالى اعطاني طويل العمر بحج بها، وإذا لا فهي لمحمود "أنا"، ولكن بعد وفاتها لم يتنازل أحد من اخوتي الذكور لي عن حصصهم من الأرض،
تنازلوا لي رسمياً، لكن لم يتنازلوا قلبياً، حيث يريدون أن يبنوا مخازن في هذه الأرض، وأنا أشعر بأني مظلوم، حيث جميعهم أخذوا أراض من والدي، وأنا لا، وجميعهم سوعدوا في البناء، وأنا لا، بسبب الوضع المادي السيء لوالدي، فماذا أفعل؟الجوابالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:أولا:الواجب على الوالدين أن يعدلا فيما يعطيانه ويهبانه لأولادهما؛ لما رواه البخاري (2586)، ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: " أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ : ( فَارْجِعْهُ ). ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما".ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: " أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ لَا قَالَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".وفي رواية للبخاري أيضا (2650) : ( لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ ).وفي رواية لمسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي فَقَالَ أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ؟ قَالَ لَا قَالَ : ( فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ) ثُمَّ قَالَ : ( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً ) قَالَ بَلَى قَالَ : ( فَلَا إِذًا ).قال الشوكاني رحمه الله : " وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية، وأن التفضيل باطل جور، يجب على فاعله استرجاعه، وبه قال طاوس ، والثوري ، وأحمد ، وإسحق ، وبعض المالكية ، وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فقط ، وأجابوا عن الأحاديث بما لا ينبغي الالتفات إليه " انتهى من "الدراري المضية شرح الدرر البهية" (1/348) .والعدل: أن يعطى للذكر مثل حظ الأنثيين ، كما في قسمة المواريث ، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى .ومن احتاج إلى سكن، جاز لوالده تمكينه من البناء على أرضه، دون تمليكه الأرض إلا إذا فعل ذلك مع جميع أولاده.ولا حرج في مساعدة الأب أولاده في البناء، ويفعل ذلك على سبيل المشاركة له، أو القرض، ويجوز أن يفعله هبة، بشرط العدل بين جميع الأولاد.ثانيا:إذا وهب الأب أو الأم لبعض أولاده، ولم يمكنه أن يهب لبعضهم الآخر؛ لضعف حاله ماديا، فسبيل العدل أن يطلب ممن أخذ من أولاده هبة تعويضَ من لم يأخذ، أو أن يسترد من أولاده ما وهبه لهم.قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/ 51): "فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها: أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر" انتهى.ثالثا:إذا مات الأب أو الأم قبل تحقيق العدل، فإن الهبة تدخل في التركة، وتقسم على الجميع القسمة الشرعية.قال شيخ الإسلام رحمه الله: "يجب على الرجل أن يسوي بين أولاده في العطية، ولا يجوز أن يفضل بعضا على بعض كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، حيث نهى عن الجور في التفضيل، وأمر برده.فإن فعل ومات قبل العدل: كان الواجب على من فُضل أن يتبع العدل بين إخوته؛ فيقتسمون جميع المال - الأول والآخر - على كتاب الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/ 297).وسئل علماء اللجنة الدائمة عمن سجل مزرعة باسم أحد أبنائه ثم مات، فأجابوا بقولهم: " ... وإن كان والدك قد مات: فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة، حسب الحكم الشرعي" انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (16/ 216).وعلى هذا، فإن الأراضي التي أعطيت لإخوتك، تضم للتركة، وتقسم على الجميع-ذكورا وإناثا-، وأما البناء، فما بناه أحدهم من ماله، فيأخذ قيمته دون حصة من الأرض، أو يحتفظ ببنائه، ويأخذ حصته من الأرض بعد تقسيمها، ويدفع لإخوته-الذكور والإناث- قيمة ما زاد على حصته.وإن تراضيتم على أن كل واحد يحتفظ ببنائه والأرض التي بنى عليها، على أن تأخذ أنت الأرض المتبقية، وتعوضوا الإناث من أموالكم، فلا حرج في ذلك، وينبغي أن يقف إخوانك على الحكم الشرعي لتطيب نفوسهم، ويعلموا أنك لم تأخذ شيئا من حقهم.رابعا:قد علم مما سبق أنك إن أخذت الأرض، فإنما تأخذها لتحقيق العدل في الهبة.وأما كون والدتك قد أوصت لك بها، فلا عبرة بذلك؛ لأنه لا وصية لوارث.وإذا كان والدك حيا، فعليه أن يسعى لتحقيق العدل بما ذكرنا.والله أعلم.لم يوزع الأرض بالعدل على أولاده، ثم مات، فما العمل؟

مدار الساعة ـ