أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين مجتمع مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

قرقودة تكتب: عيد ميلاد الملكة رانيا.. ليس مجرد يوم


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: عيد ميلاد الملكة رانيا.. ليس مجرد يوم

مدار الساعة ـ

من أقوال جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين:

“كلما دخلت قرية أردنية أو بيتًا، يطلب الناس أن أنقل إليك تحياتهم وتقديرهم لجهودك في تطوير وطننا وصنع مستقبل أكثر إشراقًا لأطفالنا.”

هذه الكلمات جاءت في رسالة من جلالته بمناسبة اليوبيل الفضي لتسلمه سلطاته الدستورية، حيث عبّر عن فخره واعتزازه بشريكته في الحياة والمسيرة الوطنية، مشيدًا بدورها الكبير في خدمة الوطن والإنسانية.

وفي يوم ميلاد الملكة رانيا، لا نقف عند حدود الاحتفال وحده، بل ننفتح على معنى فلسفي عميق يربط بين الزمن والإنسان، بين القيادة والرحمة، بين ما يولد في القلب وما يتحول إلى فعل على أرض الواقع. إن ميلادها ليس تاريخًا في تقويم، بل ولادة متجددة للأمل كل عام، وكأن الأمة تعيد مع هذا اليوم اكتشاف رسالتها الكبرى في التعليم، والعدالة، والكرامة الإنسانية.

الملكة رانيا لم تكتفِ أن تكون رمزًا جماليًا أو صورة بروتوكولية ترافق الملك، بل كانت عقلًا حاضرًا، وروحًا فاعلة، وصوتًا حمل قضايا الأمة إلى أبعد الأفق. فلسفتها في القيادة تقوم على أن الإنسان هو البداية والنهاية، وأن بناء الدولة الحديثة لا يكتمل إلا ببناء العقول، وحماية الأطفال، ورعاية المرأة، وفتح الأبواب أمام كل فرد ليحيا كرامته كاملة غير منقوصة.

مبادراتها في التعليم ليست مشروعات عابرة، بل رؤى فلسفية متجذرة. فمنصة إدراك لم تكن مجرد موقع للتعلّم، بل كانت صرخة في وجه الأمية المعرفية، ورسالة بأن العلم حق لا يعرف حدودًا ولا جغرافيا. ومشروع “مدرستي” لم يكن برنامجًا لتجميل الأبنية، بل لإحياء الروح في المدرسة كي تصبح بيتًا للمعرفة، وحاضنةً للأحلام. وحتى مبادراتها للصحة وحماية الطفولة، فإنها جسّدت معنى أن الدولة لا تُقاس بمكانتها الدولية فقط، بل بقدرتها على منح طفل ضعيف ابتسامة حياة.

وحين نلتمس جانبها الإنساني، نكتشف أن رسالتها لا تقف عند حدود الأردن، بل تمتد إلى المخيمات، وإلى قضايا العالم، حيث يصبح صوتها تعبيرًا عن ضمير إنساني يبحث عن العدالة للضعفاء واللاجئين. إنسانيتها هنا ليست عاطفة وقتية، بل فلسفة سياسية بليغة ترى أن العالم لا يستقيم إذا جُرح فيه طفل، أو سُلبت فيه امرأة حقها، أو أُطفئت شمعة أمل في مخيم بعيد.

عيد ميلادها إذن هو ميلاد متجدد للوعي الجمعي، حيث نتأمل كيف يمكن لامرأة أن تحوّل وجودها إلى طاقة تغيير، وكيف يمكن لشخص واحد أن يحمل في قلبه آلاف الأصوات التي تطالب بالحرية والكرامة والتعليم. هي ملكة لم تكتفِ بتاج مرصع بالذهب، بل ارتدت تاجًا من ثقة شعبها وحبهم، ومن تقدير العالم لرؤيتها وإنسانيتها.

إن الفلسفة التي تُمثلها الملكة رانيا تقوم على أن السياسة بلا قيم لا تُثمر، وأن الدبلوماسية بلا إنسانية تتحول إلى قسوة، وأن النهضة بلا تعليم سراب. لذلك جاءت صورتها في الوعي الأردني والعربي والعالمي مزيجًا من الحكمة والإنجاز والرحمة، مزيجًا يجعلها أقرب إلى كونها مدرسة في القيادة أكثر من كونها مجرد شخصية عامة.

وحين نحتفل بعيد ميلادها، فإننا في الحقيقة نحتفل بولادة مستمرة للأمل، وتجدد دائم للثقة بأن المستقبل أجمل، وبأن الحكمة يمكن أن تكون أنثى، وأن الرحمة يمكن أن تتحول إلى سياسات، وأن التعليم يمكن أن يُصبح بوابة الحرية. هكذا نقرأ عيد ميلاد الملكة رانيا: ليس مجرد يوم، بل ميلاد لوطن يجد نفسه في حكمة امرأة، وميلاد لعالم يسمع فيه صوتًا يذكّره أن الإنسانية قبل كل شيء.

مدار الساعة ـ