أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات دين بنوك وشركات رياضة ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

رسوم على الطرق


سلامة الدرعاوي

رسوم على الطرق

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

إعادة طرح فكرة فرض رسوم على استخدام الطرق في الأردن تعيد معها حزمة من التساؤلات التي لا يمكن تجاهلها، -حتى وإن كانت سابقة لأوانها - أولها من هي الجهة التي ستحدد الرسوم فعليًا: هل هي الحكومة التي تملك سلطة الإشراف والتشريع؟ أم المستثمرون الذين يضخون الأموال ويتحملون المخاطر؟ الإجابة، بحسب ما صرّح به الناطق باسم وزارة الأشغال، هي أن تحديد الرسوم سيتم بالتنسيق بين الطرفين، ولكن هذه الصيغة تترك الباب مفتوحًا أمام احتمال أن يكون القرار للمستثمر، خصوصًا إذا ارتبطت الجدوى المالية للمشروع بتحقيق عوائد معينة، وفي غياب سقف أعلى مُعلن للرسوم، تبقى المخاوف قائمة من تجاوزات محتملة تُثقل كاهل المستخدمين، خاصة إذا غابت آلية رقابة واضحة.

النموذج المقترح يعتمد على إشراك القطاع الخاص في إنشاء بعض الطرق الجديدة أو تطوير طرق متهالكة، لكن السؤال المركزي هنا هو: ما مدة الامتياز التي ستُمنح للمستثمرين؟ هل ستكون خمس سنوات؟ ثلاثين؟ التجربة العالمية في هذا المجال تشير إلى عقود امتياز طويلة الأمد، وفي حال عدم الإفصاح عن تفاصيل دقيقة، فإن الشفافية ستبقى موضع تساؤل، خاصة في ظل التجارب السابقة التي شابها الغموض في بعض المشاريع الكبرى.

ثم هناك مسألة التقارير الدورية: هل سيتم نشر بيانات واضحة عن حجم الإيرادات المحصلة من الرسوم؟ كيف تُنفق هذه الأموال؟ وهل تذهب فعلًا إلى صيانة الطرق وإنارتها وتحسينها؟ ومن هنا- وحتى إن كان سابقا لأوانه- بدون رقابة معلنة ومستمرة، قد تتحول الفكرة من مشروع تنموي إلى عبء جديد على المواطنين دون مردود ملموس.

أما من زاوية الأثر الاقتصادي، فإن فرض رسوم على الطرق البديلة سيرتد بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات المنقولة بالشاحنات، لأن سائق الشاحنة لن يتحمل الكلفة وحده، بل سينقلها إلى التاجر، والتاجر بدوره سينقلها إلى المستهلك، وفي النهاية، المواطن هو من يدفع.

صحيح أن الحكومة تروّج أن هذه الرسوم ستكون "أقل من كلفة المحروقات"، لكن لا يمكن القفز فوق الواقع: كل كلفة إضافية تُدخل في سلسلة التوريد ستنعكس على السعر النهائي للسلعة، سواء كانت رسوم طرق، أو وقودا، أو ضرائب.

يبقى السؤال: هل تكفي هذه الرسوم وحدها لضمان إدامة وصيانة الطرق البديلة؟ خاصة أن مشاريع البنية التحتية ذات الكلفة العالية تحتاج دائمًا إلى تمويل مستقر، وقد لا تكون الرسوم كافية وحدها لتغطية تكاليف الصيانة والتشغيل والإنارة والمراقبة، وإذا لم يكن هناك دعم من الموازنة العامة، فإما أن تتدهور نوعية الخدمات، أو ترتفع الرسوم لتعويض الفجوة، وكلا الخيارين له كلفته الاجتماعية والاقتصادية.

باختصار، لا يمكن الحديث عن طرق بديلة دون الحديث عن إدارة بديلة أيضًا، وإدارة شفافة، تضع المواطن في الصورة، وتضمن أن يكون كل دينار يُدفع على الطريق يعود نفعه على الطريق، خاصة أن نجاح هذا النموذج لا يُقاس بعدد الكيلومترات المعبدة، بل بمدى رضا الناس، ووضوح السياسات، وعدالة الكلفة.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ