حققت الصادرات الصناعية الأردنية خلال النصف الأول من عام 2025 نموًا ملحوظًا، إذ بلغت قيمتها نحو 4 مليارات دينار مقابل 3.7 مليارات دينار في الفترة ذاتها من 2024، بزيادة قدرها 259 مليون دينار. هذا الأداء يعكس قدرة الصناعة الوطنية على الصمود أمام التحديات الإقليمية والدولية، ويؤكد مكانتها كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
الصناعات التحويلية سجلت نموا نسبته 8%، وهو تطور مهم يعكس توسع مساهمتها في النشاط التصديري وزيادة القيمة المضافة للمنتجات الوطنية.ثلاثة قطاعات صناعية قادت النمو في الصادرات وشكلت ما نسبته 71% من الزيادة المحققة، وهي الصناعات الجلدية والمحيكات التي ارتفعت صادراتها بـ65 مليون دينار، والصناعات التموينية والغذائية بزيادة قدرها 64 مليون دينار، ثم الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل التي حققت ارتفاعًا بنحو 55 مليون دينار. هذه القطاعات لم تقتصر على كونها الأكبر مساهمة من حيث الأرقام، بل تميزت أيضًا بقدرتها على التكيف مع متطلبات الأسواق العالمية (بالرغم من المحددات الجمركية الأخيرة) وإنتاج سلع ذات قيمة مضافة عالية، ما يعزز تنافسية المنتج الأردني على الساحة الدولية.في الوقت نفسه، ساهمت قطاعات أخرى مثل الصناعات الإنشائية، العلاجية، والتعدينية في رفد الصادرات الصناعية بزخم إضافي. هذا التنوع في القاعدة الإنتاجية يقلل من الاعتماد على قطاعات محددة، ويمنح الاقتصاد الأردني مرونة أكبر في مواجهة الصدمات الخارجية، سواء كانت مرتبطة بتقلبات الطلب العالمي أو بالاضطرابات الإقليمية، مما يرسخ موقع الصناعة كمحرك مستدام للنمو الاقتصادي، هذه النقطة تحديدًا يجب أن يدركها الفريق الاقتصادي بالحكومة ويسعى لتكريسها كحالة دائمة. لكن لماذا التصدير الصناعي مهم ؟الآلية هنا بسيطة لكنها حاسمة، فكل عملية تصدير تتضمن مكوّنات ومدخلات إنتاج محلية وأخرى مستوردة من مواد خام. والقيمة الحقيقية التي يضيفها الاقتصاد الأردني تأتي من مكونات ومدخلات الإنتاج المحلية، وهو ما نطلق عليه القيمة المضافة. فعندما ترتفع الصادرات الصناعية بمقدار 259 مليون دينار، ويظل حجم المستوردات اللازمة للإنتاج بحدوده الدنيا، فإن هذه الزيادة تعني ارتفاع القيمة المضافة الصافية التي تبقى داخل الاقتصاد الوطني. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الحساب الجاري من خلال تعزيز العملات الأجنبية المتدفقة دون أن يقابلها توسع مماثل في فاتورة الاستيراد.ولتوضيح الصورة بالأرقام، إذا كانت حصة المدخلات المستوردة 30% من هذه الزيادة، فإن نحو 181 مليون دينار تمثل قيمة مضافة محلية تدعم الحساب الجاري بشكل مباشر. أما إذا ارتفعت الحصة إلى 60%، فإن القيمة المضافة المحلية تنخفض إلى 104 ملايين دينار فقط. الفارق بين الحالتين يقارب 78 مليون دينار، وهو ما يبين أهمية السيطرة على حجم المستوردات وتعظيم المحتوى المحلي في كل عملية تصدير. لذلك فان على الاقتصاديين بالحكومة تقدير حجم مدخلات الإنتاج المحلية في القطاعات الصناعية بهدف دعمها بصورة اكبر.هذا التحسن في الصادرات انعكس أيضًا على تنويع الأسواق، فقد ارتفعت الصادرات الأردنية إلى سوريا بمقدار 85 مليون دينار، وإلى إثيوبيا بنحو 47 مليون دينار، وإلى الهند بـ100 مليون دينار، بينما برزت جيبوتي كوجهة جديدة بزيادة قدرها 24 مليون دينار. التنويع نحو أسواق غير تقليدية في إفريقيا وآسيا يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على أسواق محددة، ويعزز استقرار التدفقات من العملات الأجنبية على مدار العام.انعكاس هذا النمو لا يقتصر على الحساب الجاري، بل يمتد إلى الموازنة العامة ايضاً. فارتفاع الصادرات يرفع أرباح الشركات الصناعية ويزيد بالتالي حصيلة ضريبة الدخل. كما أن توسع النشاط الإنتاجي يوسع القاعدة الضريبية غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات. ومع تحسن الحساب الجاري وتدفق العملات الأجنبية، يتراجع ولو نسبيًا حجم وكلفة الاقتراض الخارجي وينخفض الضغط على خدمة الدين، ما ينعكس إيجابًا على مستويات العجز المالي.مع ذلك، فإن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب معالجة التحديات القائمة والوقوف على تفاصيلها من قبل الفريق الاقتصادي بالحكومة. فارتفاع كلف الطاقة والنقل، ومتطلبات الامتثال الفني في الأسواق الجديدة، إضافة إلى اضطرابات سلاسل الإمداد، جميعها عوامل قد تحد من وتيرة النمو. مواجهة هذه التحديات تستدعي الفهم العميق الاقتصادي لكل ذلك وتحديد القيمة المضافة القطاعية لكل صناعة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية اللوجستية، تسويق المنتجات الصناعية، وتعزيز أدوات الوصول للتمويل.إن تحسن الصادرات الصناعية في النصف الأول من 2025 تمثل فرصة لتحويل الإنجاز الدوري إلى "مكسب مستمر متنامي". فتعظيم المحتوى المحلي في كل دينار تصدير، ورفع الإنتاجية في القطاعات القائدة، سيعني حسابًا جاريًا أكثر توازنًا، وموازنة أقل اعتمادًا على الدين، وصناعة وطنية أكثر رسوخًا في الأسواق العالمية.
ماذا يعني زيادة الصادرات الصناعية؟
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ