عقودٌ تَمُرُّ ولم يبقَ على وجه الأرض شاهد حقّ لم يرَ ما يعانيه شعب فلسطين من قهر واستعباد في سبيل تحرير وطنه من دنس المحتل الصهيوني الذي عاث في الأرض دمارًا وفسادًا واستيلاءً على الأراضي واحتجازًا لحريات مئات من المقاومين.
وكانَّ العامين الإخيرين علامة فارقة للعالم للتفريق بين الشر والظلام وقوى الخير، ودون الدخول في الأسباب التي أدت إلى أحداث السابع من إكتوبر 2023، فإنَّ ما جرى بعد ذلك من قبل حكومة الكيان الصهوني المحتل وقطعان مستوطنيه وجيشه المجرم يظهر بشكل واضح نوايا هذا الكيان المحتل التوسعية وسيتسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية والقتل دون أي سبب، ناهيك عن الحصار الذي تعرض له قطاع غزة لسنوات وانتى بحرب إبادة لا زالت نيرانها متقدة.أما المسجد الأقصى المبارة وقبة الصخرة والمقدسات وأراضي الضفة الغربية فهي مستباحة بشكلٍ كامل. وبعد مرور أشهر من الحرب على غزة تخللتها بعض الصفقات لتبادل الأسرى الفلسطينين وإدخال للمساعدات بشكل جزئيلا يبدو أنّ اتفاقًا للتهدئة بوساطة مصرية – قطرية – أمريكية قد يتحقق بين المقاومة الفلسطينية في غزة وعمادها حركة حماس من جانب، وحكومة الاحتلال الصهيوني من جانب آخر، فالقاعدة أصبحت عند رئيس وزراء الكيان المحتل وحكومته المتطرفة إطالة الحرب وإبادة حماس والتوسع الاستيطاني مهما كلف الأمر، ولذلك فالأمل في اتفاق قريب رأصبح سرابًا.لقد قلنا عندما انتهت الانتخابات في الكيان الصهيوني، وحققت فيها الأحزاب اليمينية الغلبة مثلما هو متوقع، أنّ المزاد على لحم الشعب الفلسطيني أصبح مفتوحًا مؤقتًا، ونتنياهو يريد أيضًا حصد ثمار الحرب على غزة وإيران واليمن وسوريا ولبنان ، إذ إنّ السياسة في أنظمة كهذه الأنظمة لا أخلاق لها، وكل ما يُحقَّق أهدافها ويخدم مصالحها مباح، وكل ما يقوم به السياسيون أشخاصًا أو أحزابًا أو دولًا لتحقيق تلك الأهداف والمصالح جائز ومشروع. ومن يحترف السياسة بمفهومها المجرد لا بد من أن يكون قادرًا على العيش منزوع الضمير، متجمد المشاعر والأحاسيس، ولديه القدرة على تقديم التنازلات مهما كانت صعبة وغير مقبولة، لتصل إلى حد التضحية بأقرب الناس؛ من أجل تحقيق مصلحته الشخصية أو الحزبية كي يبقى في دائرة الأضواء وفي مقدمة الصفوف؛ لذا، فلا عجب أن تتحول جثث الأطفال والنساء وأشلاؤهم وحرائق المدن وخرابها إلى جسر عبور يمشي فوقه رجال السياسة نحو كراسيّ الحكم. ولأنّ مأساة غزة هي محور الحديث أعود فأقول: إنّ هذه المأساة صنعتها السياسة بالمشاركة مع آلة الحرب، وإنّ ما تعرّضت له من عدوان وقتل ودمار مستمرّ، ما هو إلا نِتاج صراع سياسي صهيوني -صهيوني، إلى جانب الحقد الأعمى الذي يكنّه كلّ صهيوني مهما كان حزبه وهُويته السياسية على الأمة العربية، وخاصة على الشعب الفلسطيني المقاوم. لقد شنّت حكومة الكيان الصهيوني حربًا مجنونة على قطاع غزة البطل؛ ليكون مَخرجًا لما تعيشه من صراع سياسي داخلي، ولتحقّق مكاسب سياسية ترفع نسبة الفوز في الانتخابات القادمة لهذا الحزب أو ذاك، ولم يجد هذا الكيان الغاشم أفضل من الحرب الوحشية دعاية انتخابية وبرنامجًا سياسيًّا يقدمه للناخب الصهيوني، الذي تلذذ بصور الآلاف من الأطفال والنساء والرجال القتلى، وبتدمير غزة على رؤوس سكانها، مستغلًّا حالة عدم الوفاق السياسي الفلسطيني، و في ظل انقسام عربي واسع؛ فكان الدم الفلسطيني قربانًا. حتى الآن رغم الخسائر الهائلة في أوساط الشعب الفلسطيني وتدمير كل ما هو على سطح غزة بل وتحت أرضها من جيش صهيوني مجرم، ولكن الشعب الفلسطيني انتصر بفضل صموده الذي كشف الوجه الصهيوني البشع على حقيقته ولم تعد إسرائيل ذلك الكيان المظلوم والشعب المظلوب في نظر العالم بل تحول الى دولة فصل عنصري وحكومة متطرفة مجرمة مطلوبة للعدالة الدولية ومنبوذة من العالم ؛ فكانت غزة وبالًا على جنرالات الحرب، مثلما كانت أيضًا دليلًا على أنّ دولة الاحتلال لا ترغب في أي نوع من السلام، وهي تسعى إلى إبادة أبناء الشعب الفلسطيني كلهم وتهجيرهم؛ من أجل إسرائيل الكبرى. إنّ ما حدث من غزو لغزة وتدمير لبنيتها، وقتل وتطهير لا شكّ في أنّه سيقود الشعب الفلسطيني شاء أم أبى إلى الوَحدة والوفاق، ولا بد من المصالحة الوطنية لمواجهة التطرف الصهيوني الذي أظهرته نتائج الحرب، إذ إنّ الصهاينة يتجهون بشكل تصاعدي نحو مزيد من التطرف والإجرام ضد الشعب الفلسطيني. وتصريحات اليمين المتطرف التي تعِد فيها بالقضاء على حركة حماس، وترحيل أبناء الشعب الفلسطيني يجب أن تأخذها الفصائل الفلسطينية والعرب بجدّية، على الرغم من أنّها تأتي في سياق الوهم الذي تعيشه القيادات والأحزاب الصهيونية بأنّ بإمكانها تنفيذ مخططاتها. إنّ الحرب على غزة يجب أن تفرض مرونة لا بد منها في التعامل مع موضوع الوَحدة الوطنية الفلسطينية، وهي وَحدة يجب أن تُبنى من جديد على أساس برنامج كفاحي شامل، على طريق بناء دولة ديمقراطية في فلسطين يتعايش فيها الجميع بشكل متساوٍ وحرّ في صياغة دولة مؤقتة (تاريخيًّا) ذات سيادة وقدرة على الحياة. أمّا قوى التغيير الشعبية، فعليها مهمّات، أولها: الحسم بشأن الأولويات، والأولوية هنا مواجهة المشروع الصهيوني الذي توسع في السنوات الأخيرة ليشمل أنظمة وقوًى كانت تكتفي حتى ذلك التاريخ بالسكوت أو بالتواطؤ... وثانيها: بلورة المستلزمات الضرورية للانخراط في الصراع وفق هذه الأولويات، ضمن عملية تمايز لا تُخِلّ بها، بل تضفي عليها طابع الغنى والتنوع وتحدي الارتقاء إلى مستوًى أرفع؛ من أجل معركة واحدة مصيرية لا تُذهب سدًى دماء أطفال غزة وتضحيات شعبها ومقاوميها وصمودهم، وكي تُهزَم العنصرية الصهيونية المجرمة فلا تتكرر المآسي والمجازر في فلسطين أو لبنان أو العراق أو ليبيا أو سوريا، ومن أجل ألّا يجرؤ مرة أخرى طامع أو غازٍ على الاعتداء على سيادة بلد أو كرامة أي شعب عربي. ومع ذلك هناك من يسأل: هل ستقوم الدولة الفلسطينية؟ وهل دولة اسرائيل ستسلم بقرارات الشرعية الدولية؟.الاجابة : أن هذا مرهون بصمود الشعب الفلسطيني وموقف عربي موحد.
أبوزيد يكتب: الواقع العربي والفلسطيني والعالمي بعد الحرب على غزة!
زيد ابوزيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح
أبوزيد يكتب: الواقع العربي والفلسطيني والعالمي بعد الحرب على غزة!

زيد ابوزيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح
أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح
مدار الساعة ـ