أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات شهادة جاهات واعراس مناسبات مستثمرون الموقف جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

النجار تكتب: المبدعُ الخفي.. صبري محمد النجار الذي يُعيدُ الحياةَ لكلِّ شيء


عبير النجار
كاتبة اردنية

النجار تكتب: المبدعُ الخفي.. صبري محمد النجار الذي يُعيدُ الحياةَ لكلِّ شيء

عبير النجار
عبير النجار
كاتبة اردنية
مدار الساعة ـ
النجار تكتب: المبدع الخفي.. صبري محمد

في زِحامِ الحياةِ، حيثُ تَختفي المواهبُ تحتَ غُبارِ الإهمال، يبرُزُ اسمٌ يُشبِهُ الأسطورةَ أكثرَ ممّا يُشبِهُ الواقع: صبري محمد النجار، شابٌّ أردنيٌّ وُلِدَ عامَ 1993، لكنَّهُ وُلِدَ ومعهُ عقلٌ يرفُضُ المألوفَ ويدٌ تُتقنُ ما عجزتْ عنهُ أيدٍ كثيرة.

منذُ نُعومةِ أظفارِه، لم يعرِفْ صبري معنى الطفولةِ العابثة؛ ففي الثانيةِ عشرةَ من عُمرِه كان يُفكِّكُ الأجهزةَ كما لو كان يقرأُ كتابًا مفتوحًا، ويُعيدُ تركيبَها وكأنّها لعبةٌ بين أصابِعِه. الهاتفُ المُعطَّلُ كان عندَهُ قطعةً تنتظرُ البعثَ، والغسّالةُ التالفةُ آلةً تُولَدُ من جديد. لم يكُنِ الإصلاحُ عندَهُ مجرّدَ مهنةٍ، بل كان حوارًا خفيًّا بينهُ وبينَ الحديدِ، وبينَ الشرارةِ الكهربائيّةِ، وبينَ كلِّ آلةٍ صامتة.

وقد كان لوالده محمد النجار دورٌ كبير في صقل هذه الموهبة، فقد ورث صبري حبَّ التصليح والعمل اليدوي عن والده الذي كان يُتقن إصلاح الأجهزة منذ صغره. ومع ذلك، لم يكتفِ صبري بمحاكاة والده، بل سرعان ما تطوّر مع تقدّم السنوات وتحديث الأجهزة، ليصبح نسخة متقدّمة أكثر ذكاءً وإبداعًا، يضيف لمساته الخاصة على كل آلة يلمسها.

ومع مرورِ الأعوامِ، تحوَّلَ فُضولُهُ الطفوليُّ إلى ابتكارٍ مُذهل. صبري محمد النجار لم يكتفِ بأن يُصلِح، بل قرَّر أن يُطوِّر. فحوَّلَ أنظمةَ السيّاراتِ من كربريتر إلى إنجكشن، وابتكرَ طريقةً لتقليلِ استهلاكِ البنزين بنسبةٍ تصلُ إلى 30% في السيّاراتِ الكبيرة، وكأنّهُ يُعلنُ أنَّ الحلولَ العظيمةَ قد تُولَدُ في عقلٍ واحدٍ قبلَ أن تُولَدَ في معاملَ كُبرى.

ولم يقفْ عند حدودِ السيّارات؛ بل تعدّى ذلك إلى عالمٍ كامل من الإبداع. صبري يُتقن تزبيط الصواريخ الصغيرة، ومكاين اللحام، والدريلات بأنواعها (الشحن والعاديّة)، ومواتير المكانس والمراوح والغسّالات بجميع أنواعها. كما برع في تحويل البطاريّة العاديّة إلى بطاريّة ليثيوم، إصلاح السشوار والمكوى والجرّيل، مضخّات الغسيل، مواتير المياه، ومكاين البنشر وجك الزيت.

ولأنّ يديه لا تعرفان حدودًا، فقد امتدّ إبداعهُ إلى عالم الخشب والفرش، حيثُ يُتقن تفصيل غرف النوم والكنب، وفكّ أطقم الكنب وإعادة تركيبها، وتفصيل أطقم الرّتان، ليُثبت أنّه لا يُجيد إصلاح الآلة فقط، بل يعرف كيف يُبدع في تشكيل المكان أيضًا.

اليومَ، صبري محمد النجار هو الاسمُ الذي لا يتوقّفُ عندَ مهنةٍ واحدة؛ فهو الكهربائيُّ، والفنّيُّ، والحدّادُ، والمهندسُ بالفطرة. يُمدِّدُ الكهرباءَ للمنازلِ والمكاتب، ويُتقنُ التعاملَ مع التياراتِ AC وDC، ويُصلِحُ كلَّ جهازٍ يتعطّل أمامه. وأينما وُجِدَ عُطل… كان الحلُّ حاضرًا في ذهنِه قبلَ أن يسألهُ أحد.

إنّهُ الشابُّ الذي يَستحقُّ أن يُقالَ عنه: "وُلِدَ ليكونَ الحلَّ، لا المشكلة." شابٌّ لم تمنحهُ الدُّنيا شهاداتٍ برّاقة، لكنّها منحتْه عقلًا أوسعَ من كلِّ شهادة، وروحًا تُصرُّ على أن تكونَ نافعةً للآخرين.

قد لا يَعرِفُهُ العالَمُ بعد، لكنَّهُ الدليلُ الحيُّ أنَّ بيننا طاقاتٍ لو وُجِدَ مَن يحتضِنُها، لأضاءتْ بلادًا بأكمَلِها. صبري محمد النجار ليسَ مجرّدَ اسم… إنّهُ قِصّةٌ يجبُ أن تُروى.

مدار الساعة ـ