أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين مجتمع مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

كله تمام سيدي


نضال المجالي

كله تمام سيدي

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

سعيد بأن ذهب العنوان بمخيلتك لما في داخل عقلك من توقعات لمحتوى المقال، ولكن سامحني لن أقدر أن أخوض بذات المستوى من مخيلتك عن ذات الزمان والأشخاص حتى أضمن أن أكتب مقال الأسبوع القادم وتكون أموري «تمام».

الغاية أننا نجمّل الأشياء ونتائج وأثر القرارات والأعمال في جلساتنا واجتماعاتنا مع المسؤول الاول او من يليه، ولكن الحقيقة مخالفة لذلك.

المشهد بات محفوظاً: اجتماع رسمي، مسؤول يتصدر الطاولة، فريق عمل يفتح ملفات لامعة، ثم تنطلق الجملة السحرية: «سيدي، الأمور تحت السيطرة… الإنجازات عظيمة… كله تمام!» وهكذا، يخرج الجميع وكأنهم وضعوا حجر الأساس لمستقبل واعد.

لكن ما إن تنتهي الجلسة، حتى يظهر الواقع الذي لم يجرؤ أحد على ذكره: مشروع سكة الحديد الذي بُشّرنا بأن أرباحه ستكون عظيمة، ولن يتأثر دخل سائقي شاحنات النقل، فيما يعرف حامل الملف أن السائقين وعائلاتهم هم أول من سيدفع الثمن. مقترح سيطرة أجنبية على منظومة لوجستية كاملة بعوائد مالية كبيرة ترفع من جودة الحركة وهم يعلمون أن ذلك يجعلنا تحت رحمة إدارة مالك المنظومة ومستوى طموحاته. مستشفى جديد افتُتح باحتفال ضخم، لكنه بلا أطباء مقيمين واحيانا خط نقل عام باتجاهه، ومع ذلك قيل: «الخدمة متوفرة على مدار الساعة». طريق مبلط حديثاً، امتلأ بالحفر مع أول شتوة، لكن التقرير الرسمي كتب: «المشروع أنجز بجودة عالية».

تلك الأمثلة ليست نادرة، بل هي جزء من ثقافة ترسخت في العمل العام: ثقافة تلميع، وإخفاء الخلل، واختراع لغة وردية تُسكب فوق قرارات هشة. الموظف يتجنب قول الحقيقة لأنها قد تُفهم على أنها تهجم أو تمرد، فيكتفي بتكرار لازمة «كله تمام» حتى لو كان يعلم أن كل شيء ليس تماماً.

لكن الصدق ليس تهوراً ولا مخاطرة، بل هو أبسط شروط الإصلاح. المسؤول الذي لا يسمع إلا المديح، كيف سيتخذ القرار الصحيح؟ وأي مشروع يُبنى على تقارير منمقة وأرقام مزيفة سينهار عاجلاً أم آجلاً، مهما صُوّر أمام الكاميرات على أنه «إنجاز وطني».

تخيل لو أن أحدهم تجرأ وقال: «سيدي، الطريق مليء بالحفر، السكة لن تحقق الأرباح الموعودة، والمستشفى بلا كادر كافٍ». قد يبدو الكلام صعباً في لحظته، لكنه يفتح الباب لحلول حقيقية، بينما «التطمين الكاذب» لا يجلب سوى مزيد من الأزمات.

وإن استمرت هذه العادة، فلا غرابة أن يتحول «كله تمام» إلى الشعار الرسمي غير المعلن للحياة العامة: يُكتب على جدران المدارس، يزين التقارير السنوية، وربما يخرج من البريد الإلكتروني الرسمي او مركز خدمات الشكاوي والرد الآلي كرسالة آلية: «تم استلام شكواك… كله تمام».

الصدق يا سادة، ليس ترفاً، بل هو صمام أمان لبناء ثقة الناس بالدولة. أما المجاملة فهي قد تحفظ وجوهاً في لحظة، لكنها لا تبني مؤسسات. وإن أردنا إصلاحاً حقيقياً، فلنبدأ بكلمة واحدة قد تبدو ثقيلة، لكنها أكثر قيمة من كل التصفيق: «سيدي، كله مش تمام».

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ