أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين مجتمع مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

مديونية الجامعات الحكومية


سلامة الدرعاوي

مديونية الجامعات الحكومية

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

الأزمة المالية التي تعاني منها الجامعات الحكومية الأردنية لم تعد قابلة للتجاهل، خاصة مع وصول مديونيتها إلى نحو 242 مليون دينار، مقابل ديون متراكمة لها على الحكومة تُقدّر بـ173 مليون دينار، وهذه الفجوة لم تنشأ بين يوم وليلة، بل هي نتيجة تراكمات مالية وإدارية منذ أكثر من عقدين، ولكن اليوم، هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري، عبر التغييرات المرتقبة على رؤساء مجالس أمناء الجامعات، والتي يمكن أن تمثل نقطة تحوّل إذا أحسن الاختيار وتم تعيين أشخاص بمواصفات اقتصادية وإدارية دقيقة.

الوضع في بعض الجامعات يُعبر عن عمق الأزمة، فجامعة اليرموك على سبيل المثال تعاني من مديونية تقارب 90 مليون دينار، في حين تواجه جامعة الحسين بن طلال عجزا ماليا قدره 47 مليون دينار، وفي المقابل، تدفع الحكومة سنويا ما بين 80 إلى 100 مليون دينار لصندوق دعم الطالب، وهو مبلغ كبير نظريا، لكنه غير قادر فعليا على معالجة العجز البنيوي للجامعات أو ضمان استقرارها المالي.

الأسباب متعددة ومترابطة، فمنذ عام 1996، وهو العام الذي بدأت فيه الحكومة تقليص دعمها المباشر للجامعات، بدأت المشكلات بالتراكم، ولم يكن لدى الجامعات خطة واضحة لتعويض هذا النقص، وفشلت بعض الجامعات في تأسيس برامج تعليم موازٍ قادرة على توليد إيرادات كافية، كما لم تنجح أغلب الجامعات في استثمار ما لديها من أصول ومساحات وبنية تحتية، أو في تسويق المعرفة والأبحاث التي تنتجها.

وبدلا من التوجه نحو إصلاح هيكلي، لجأت بعض الجامعات إلى الحل الأسرع وهو رفع الرسوم على الطلبة، مما أدى إلى تفاقم التوتر الاجتماعي حول عدالة التعليم وتكاليفه.

النظام الموازي الذي كان يُفترض أن يشكل حلا ماليا بديلا، تحوّل بدوره إلى عبء مزدوج، فمن جهة، يوفر إيرادات قصيرة المدى، لكنه من جهة أخرى يزيد من تخريج أعداد كبيرة من الطلبة في تخصصات لا يطلبها سوق العمل، مما يفاقم معدلات البطالة ويُضعف جودة مخرجات التعليم العالي، وهذه المفارقة تطرح سؤالا جوهريا حول جدوى التوسع الكمي في التعليم دون ربطه بحاجات الاقتصاد الوطني، ودون توجيه البحث العلمي نحو الإنتاجية والاستثمار.

من جهة ثانية، الحكومة لم تقم بسداد مستحقات الجامعات بالكامل، إذ تُقدَّر الديون المتراكمة عليها لصالح الجامعات بما يقارب 173 مليون دينار، وهي أموال كفيلة بإعادة التوازن إلى جزء كبير من موازنات هذه المؤسسات لو تم تسديدها ضمن خطة واضحة.

في ضوء هذه المعطيات، فإن رفع الرسوم لم يعد حلا، بل أصبح مشكلة بحد ذاته، لأنه لا يعالج أسباب العجز، بل ينقل العبء إلى الطلبة والأهالي، دون أي ضمانة بتحسن الأداء الجامعي.

الفرصة ما تزال قائمة لتغيير النموذج المالي للجامعات الحكومية، شريطة أن يُعاد تعريف دورها كجهات تنموية واستثمارية إلى جانب دورها الأكاديمي، ويجب توجيه الأبحاث نحو قطاعات اقتصادية منتجة، وبناء شراكات مع شركات كبرى في مجالات الطاقة، والنقل، والزراعة، والصناعة، كما يجب تفعيل حاضنات الأعمال ومراكز الابتكار الجامعي، لتصبح مصدرا للإيرادات بدلا من الاعتماد الكامل على الرسوم والدعم الحكومي.

ولا بد من التأكيد، على أن تركيبة مجالس الأمناء لا يجب أن يكون شكليا أو بروتوكوليا، بل جوهريا ومركزيا في صياغة التوجه المالي والإداري للجامعة، فالمطلوب أن تضم هذه المجالس قيادات تمتلك فهما حقيقيا للأنظمة والتشريعات، وتعرف كيف تتعامل مع الحكومة ومؤسسات الدولة في تحصيل المستحقات المالية المتراكمة، والتفاوض على الحقوق والتمويل والدعم.

الأهم من ذلك، أن تكون قادرة على قراءة واقع الجامعات ضمن سياقاتها الجغرافية والاجتماعية، وتفهم خصوصية المجتمعات المحلية التي تنتمي إليها، لتقود عملية تنمية حقيقية وليس فقط إدارة تعليم.

الخروج من هذه الأزمة يتطلب أن تكون الحكومة هي الجهة المنظمة والضامنة، لا الممول الوحيد، وأن يُمنح لرؤساء الجامعات مساحة حقيقية لاتخاذ قرارات مالية واستثمارية، ضمن نظام حوكمة شفاف، يضمن الاستقلال الأكاديمي ويكافئ الأداء المؤسسي.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ