أولاً وقبل كل شيء، الرعيل الأول من الاقتصاديين في القطاع الأهلي هم من اسس الشركات الكبرى في الأردن قبل أن ترثها الحكومات بالتأميم.
بين فترة وأخرى نستمع إلى بعض الاراء التي تفضل بقاء شركات التعدين مثلا بملكية كاملة للحكومة بحجة أنها قادرة ذاتيا على تطوير نفسها ومواكبة حاجات الأسواق وتمويل الاستثمار بالمقارنة مع قطاع الاتصالات الذي لم تكن الحكومة انذاك قادرة على توفير العملة الصعبة للاستثمار في التطورات على حساب أولويات أخرى فكان قرار خصخصة الاتصالات قرارا صائبا بينما لم يكن كذلك بالنسبة لقطاع او شركات التعدين لكن الحقيقة بالنظر إلى التطورات وأرقام ومصادر الاستثمار في كلا القطاعين تكاد تكون واحدة وهي تدور حول الشركاء الاستراتيجيين وتوفي? الأموال اللازمة بالعملة الصعبة او ما عرف بالشريك المالي او الشريك الفني.حدث ذلك في قطاع الاتصالات وحدث ايضا في قطاع التعدين، الذي حال توفر المال أمام تطوير منتجاته وبالتالي وقوعها في خلال الخسارة والتي بالكاد معها كانت توفر تكاليف الإنتاج ورواتب العاملين فيها ناهيك عن عجزها توريد اية عائدات للخزينة.بعد سنة واحدة على خصخصة الفوسفات بدأت الشركة مرحلة تحقيق الأرباح وبدات معها بتوزيع نسب من هذه الربحية على المساهمين بمن فيهم خزينة الدولة بدعم من الشريك المالي الذي ضخ المال اللازم لتمويل فتح أسواق جديدة وتطوير الإنتاج ودور إدارة الشركة لما بعد الخصخصة في ترتيب أوضاعها وهيكلة ادارات الإنتاج فيها ووضع الأساس لمصانع انتاج وخطوط جديدة.صحيح ان عامل ارتفاع الأسعار العالمية كان عاملا حاسما في الربحية القياسية سواء في مرحلة ما بعد الخصخصة او في المرحلة الراهنة لكن التحد الأهم كان ولازال هو كيفية استغلال الأموال في تطوير المنتجات وفتح أسواق جديدة والاستثمار في بناء صناعات جديدة.هذا الصعود استمرّ بوتيرة متوازنة لو لا أن الشركات تعرضت لكبوة بسبب التشكيك في مسار خصخصتها اثرت بلا شك على مسيرتها وعلى معنويات العاملين فيها وعلى صورتها في الخارج.ليس هناك أرقام محددة لحجم الاستثمار في قطاع التعدين بعد الخصخصة لكن يمكن للشركات إعداد ذلك للرأي العام، ولكن يمكن تقدير ذلك من خلال حجم الإنتاج الذي بلغ 2.72 مليار دولار في عام 2025. مثلا وهو ناتج عن ضخ استثمارات جديدة بدأت تؤتي أكلها ويمكن ملاحظة هذا الأثر في زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلاثة أضعاف ورفع قيمة الصادرات إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2033.بينما استمر حجم الاستثمار الكلي في قطاع الاتصالات في الارتفاع في مرحلة ما بعد الخصخصة محققاً أعلى مستوياته خلال آخر تسعة أعوام ليبلغ ما قيمته (347) مليون دينار في العام 2023، كنت واحدا ممن تتبعوا عددا لا باس به من اجتماعات الهيئات العامة لشركة الفوسفات وكنت أراقب في سنوات الخسارة خيبة أمل صغار المساهمين ممن كانوا ينتظرون قطف ثمار مساهماتهم في الشركة سنة بعد أخرى بأمل وبخيبة فكثير منهم ربما يعتاشون على مثل هذا العائد.هؤلاء وجدوا في حضورهم لمثل هذه الاجتماعات في السنوات اللاحقة لخصخصة الشركة منفعة فقد كانوا يعودون إلى مدنهم وقراهم وفي جيوبهم عوائد مجزية.ليس هذا فحسب فقد بلغ ما وردته شركتا الفوسفات والبوتاس للخزينة في سنة من السنوات ٢٥٤ مليون دينار رسوم تعدين وضريبة دخل.وارتفعت هذه الأرقام لتبلغ اكثر من ٥٥٠ مليون دينار في سنة لاحقة.استثمرت شركة البوتاس منذ عام 2003 حوالي 600 مليون دولار من مصادرها الذاتية وأرباحها داخل المملكة من أجل توسعة وزيادة كفاءة الإنتاج وبناء مصنع جديد.الأرباح تستخدم اليوم لغايات المشاريع الاستثمارية بدلا من إطفاء الخسائرعززت أرباح الشركتين القيمة السوقية لهما والقيمة الاسمية لسهميهما. وبات معتادا توزيع ارباحا نقدية على المساهمين تزداد سنة بعد أخرى.الشركتان باتتا رقما عالميا صعبا وهو ما يؤكده تهافت الصناديق والشركات العالمية لعقد شراكات جديدة مع الشركتين، هل كان يمكن بلوغ هذه المرحلة لو لم يتوفر لهما الدعم الفني والمالي بفضل الشراكات الاستراتيجية التي جلبتها الخصخصة؟.