مدار الساعة - كتبالمحامي محمد زهير العبادي (مكتب العبادي للمحاماة) -
في صباح يومٍ عادي، أراد مواطن أردني مغترب في الولايات المتحدة الأمريكية توكيل مكتبنا في الأردن في أمر مستعجل، وقد أرسلنا له نموذج وكالة خاصة لكي يقوم بتوقيعها أمام كاتب العدل في السفارة الأردنية هناك، لكن تبين أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا من التنقل كون السفارة موجودة في ولاية أخرى تبعد عنه ساعات. حيث تمنى لو أن هناك طريقة توكيل أسرع وأكثر أماناً. هنا تماماً يظهر دور التوقيع الإلكتروني.ترأس سيدي ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدﷲ الثاني، يوم أمس اجتماعا للمجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، إذ أوعز صاحب السمو الملكي بضرورة إنجاز مشروع التوقيع الرقمي من خلال وزارة العدل، مشيرا إلى أهمية التوسع بالخدمات الحكومية الإلكترونية على تطبيق سند، بما يساهم في توفير الخدمات بكل يسر وسهولة.التوقيع الإلكتروني ليس مجرد فكرة تقنية، بل هو ثورة حقيقية في مفهوم التوقيع، بدلاً من القلم والحبر، سيصبح بإمكاننا اليوم استخدام هوية رقمية مشفّرة، تثبت أن المستند صحيح وأن الموقع هو صاحبه بالفعل.وهكذا، يتحول التوقيع من مجرد خط مرسوم على ورق إلى بصمة رقمية لا يمكن التلاعب بها.أهمية هذه الخطوة تتضح عندما نعلم أن العالم يتجه بسرعة نحو الخدمات الإلكترونية، وأن الأردن يسعى ليكون في مقدمة الدول التي تطبقها، فالتوقيع الإلكتروني يعني إنجاز المعاملة في دقائق بدلاً من أيام، ويعني أماناً أعلى من أي توقيع ورقي يمكن تزويره بسهولة، كما أنه يفتح أبواب الاستثمار ويجعل من الأردن بيئة جاذبة للشركات العالمية الباحثة عن السرعة والموثوقية.لكن السؤال الذي قد يطرحه أي قارئ: هل لهذا التوقيع قيمة قانونية؟ الجواب نعم. فالقوانين الأردنية، وفي مقدمتها قانون المعاملات الإلكترونية، منحت التوقيع الإلكتروني الحجية ذاتها التي يتمتع بها التوقيع التقليدي، بشرط أن يصدر عن جهة معتمدة وأن يضمن حماية المستند من أي تعديل بعد التوقيع. أي أن ما توقعه إلكترونياً أمام وزارة العدل أو عبر تطبيق رسمي، يساوي تماماً ما توقعه بقلمك أمام شاهد أو موظف رسمي.ولأن صاحب السمو الملكي يدرك أهمية هذه النقلة، فقد أوعز على إنجاز مشروع التوقيع الرقمي من خلال وزارة العدل ليكون جزءاً أساسياً من التحول الرقمي، لأن هذا المشروع ليس ترفاً تقنياً، بل حاجة ماسة لتسهيل عمل المحاكم، وتبسيط إجراءات التوكيل وتوقيع المذكرات واللوائح، وتوفير بيئة قانونية آمنة للمواطنين والشركات.وعليه سيمنح هذا المشروع للمواطنين تسجيل الدخول باستخدام رقمهم الوطني أو الهوية الذكية، ثم رفع المستندات وتوقيعها خلال دقائق، ليتم إرسالها مباشرة إلى الجهة المعنية.كما وتتيح منظومة التوقيع الإلكتروني للمواطنين والمحامين إنشاء هوية رقمية موثقة بعد التحقق من بياناتهم عبر قواعد المعلومات الحكومية الرسمية مثل تطبيق "سند".وإن المستندات الصادرة من خلال هذه المنظومة تُرفق بمعرّف تشفيري فريد (Digital Envelope ID) يُعد بمثابة شهادة تحقق رقمية تضمن أصالة الوثيقة وعدم العبث بها، وتثبت هوية الموقّع بدقة، وبهذا، يكتسب التوقيع الإلكتروني الحجية القانونية الكاملة وفق قانون المعاملات الإلكترونية الأردني، الذي ساوى بين التوقيع الرقمي المستوفي للشروط الفنية والقانونية والتوقيع الخطي التقليدي. إن اعتماد هذه التقنية سيمهّد لمرحلة جديدة في عمل المحامين والقضاء، حيث تصبح المذكرات والعقود قابلة للتوقيع والإيداع إلكترونياً أمام المحاكم والدوائر الرسمية، الأمر الذي يختصر الوقت والجهد ويعزز الثقة بالبيئة القانونية الرقمية في المملكة.هذه ليست مجرد خدمات، بل قصة تحول حقيقية يعيشها الأردن، فمنذ اعتماد التوقيع الإلكتروني في دول مثل الإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي، أصبحت المعاملات أسرع وأكثر أماناً. واليوم، يسير الأردن بخطى واثقة على نفس الطريق، ليلتحق بركب الدول التي جعلت التكنولوجيا شريكاً في العدالة والتنمية.في النهاية، يمكن القول إن التوقيع الإلكتروني هو الجسر الذي يربط بين الماضي الورقي والمستقبل الرقمي. هو وعد بحياة أسهل للمواطن، وأداة لحماية حقوقه، ومفتاح لبناء اقتصاد أكثر جذباً واستقراراً. ومع إطلاقه رسمياً عبر وزارة العدل، لن يضطر المواطن الأردني بعد اليوم لأن يغرق في طوابير الانتظار، بل يكفيه أن يفتح هاتفه، ويضغط على زر "توقيع".العبادي يكتب: التوقيع الإلكتروني في الأردن.. قصة تحول رقمي نحو المستقبل

مدار الساعة ـ