أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين مجتمع مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

كرة النار


د. صلاح العبادي
صحفي أردني

كرة النار

د. صلاح العبادي
د. صلاح العبادي
صحفي أردني
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

في ظل الغليان الأمني الذي فجّرته عمليّة إطلاق النار يوم الاثنين الماضي في محطة حافلات مركزيّة بالقدس المحتلة، والتي أدّت إلى مقتل ستة إسرائليين وإصابة عددٍ منهم، رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتيرة التهديد، موجّهًا إنذارًا صريحًا لسكان مدينة غزّة بضرورة الإخلاء فورًا تمهيدًا لتحرك عسكري.

فهل يشكّل إنذار نتنياهو لسكان غزّة بدايةً لمرحلة جديدة من التصعيد المفتوح؟.

نتنياهو دعا سكان مدينة غزّة لمغادرتها فورًا، وأعلن بعد ساعات من العمليّة بأنّ القوات العسكريّة الإسرائيليّة تتجمعُ استعداداً لاقتحام المدينة، وتوعد باسقاط المزيد من الأبراج السكنية فيها.

خلال يومين فقط من التصعيد الإسرائيلي في القطاع أسقط الجيش الإسرائيلي نحو خمسين برجًا سكنيًا. فما هو القادم المنتظر في الأيام المقبلة؟!.

بعد هذهِ التخصيرات العسكريّة الواضحة لاقتحام مدينة غزّة، فإنّ الخطّة الإسرائيليّة تسير وفقًا لما هو مخطط له، بينما تشدد مصر لرفض أي مخططات تستهدفُ تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو موقف يساند من قبل المجتمع الدولي، في وقت تحاول إسرائيل إلقاء كرة النار في الملعب المصري. ويكمن السؤال حول كيفية تصرف سكان المدينة وأين سيتجهون؟.

في الواقع فإنّ الخرائط التي نشرها الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنّ المنطقة الإنسانيّة في هذهِ الخرائط، والتي تتطلع إسرائيل لحشر سكان القطاع فيها تمتد من منطقة شمال دير البلح وسط قطاع غزّة وحتى المواصي في خان يونس، وهي على بعد نحو سبعة كيلو مترات عن معبر رفح، وهذهِ المنطقة تشّكلُ نحو خمسة بالمئة من مساحة قطاع غزّة الكُليّة.

من الصعب استيعاب نحو مليوني فلسطيني مجموع سكان القطاع في هذهِ المنطقة، خصوصًا مع عدم وجود إمكانية لتقديم الخدمات الإنسانيّة لسكان هذا القطاع في هذهِ المنطقة الضيقة، وبالتالي فإن الوقت يقترب من دفع السكان نحو المعبر بسلاح التجويع وإطلاق النار!.

التحركات العسكريّة الإسرائيليّة تتقاطع من التصريحات الدبلوماسيّة عن الاستعداد لصفقة شاملة، وعدم الرغبة في الدخول في صفقة جزئيّة وترحيبٍ بالمقترح الأميريكي، وبالتالي فبأي الاتجاهات يقرأ الموقف الإسرائيلي؟ هل هي نيّة حقيقيّة لإنهاء الحرب عبر صفقةٍ شاملة؟ أم تصعيدٍ أكبر يؤدي إلى احتلال القطاع ودفع قاطنيه نحو التهجير القسري بخطواتٍ متسارعة؟.

لا شك بأنّ نتنياهو يتّجه إلى المضي قدمًا في عمليّة عسكريّة تفضي إلى احتلالٍ كامل لمدينة غزّة، إذا ما أخذ بالاعتبار بأنّ تصريحات الرئيس الأميريكي دونالد ترامب والتي وجّه فيها الإنذار الأخير لحركة حماس، لا تشي بوجود إنعاشٍ أخير لعملية المفاوضات التي يقودها الوسطاء بين حركة حماس من جهة وإسرائيل من جهة أخرى؛ بل هي تهديدات إسرائيليّة لحماس بلسانٍ أميريكي.

إسرائيل اليوم تصعدُ في قطاعِ غزّة بشكلٍ كبير وتتوعدُ بالمزيد.

في ظل الاستعدادات الإسرائيليّة المتواصلة وحديث عن بدء العمليّة الموسعة خلال أسبوع. ما الذي حققته حماس لنشرها لمقطع الرهينتين ؟

قد تحاول الحركة الضغط على الحكومة الإسرائيلية أو تأجيج الداخل الإسرائيليّة؛ لكن مع إنقضاء ما يزيد عن سبعمئة يومٍ من الحرب لم تثبت هذهِ الإستراتيجيّة نجاحها؛ فنتنياهو ومن خلفه اليمين الإسرائيلي المتطرف لا يبدي بأنّه يلقي بالًا لمثل هذهِ الضغوط.

الجيش الإسرائيلي يسعى للسيطرة الكاملة على مدينة غزّة، في وقت أعلن بأنّه يسيطرُ على نحو أربعين بالمئة من مساحة المدينة، وسط إنقسامٍ كامل في الرأي العام الإسرائيلي بين من يذهب إلى الهجوم الواسع ودعوات للتوصل لاتفاق جزئي مع حماس.

كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين حثوا خلال الأيام الماضية نتنياهو سرًا على إبرام اتفاق وقف إطلاق نارٍ مؤقت مع حماس، دون اكتراثٍ من قبل حكومة اليمين المتطرف، رغم الكلفة الدبلوماسيّة العالية لاستمرار الحرب والعزلة السياسيّة التي تعيشها إسرائيل مع استمرار الحرب؛ في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدوليّة لإسرائيل، ورفض المجتمع الدولي لممارساتها غير الإنسانيّة والأخلاقية.

فهل تنهي إسرائيل حماس وتهجّر سكان القطاع؟

إسرائيل تسعى ليكون معبر رفح بوابة لتهجير الفلسطينيين، ومصر رسمت الخطوط الحمراء ضد فكرة التهجير. فهل أصبح التهجيرُ واقعًا؟ وما هي الخيارات؟!

مصر ترفض بشكلٍ قاطع استخدام معبر رفح بوابة لتهجير أهالي القطاع، وهو ذاته الموقف الأردني والعربي المساند للموقف المصري، في وقت تخلّت إسرائيل عن محتجزيها لدى حماس لصالح خطط التهجير، الذي أصبح هدفًا معلنًا لإسرائيل تحت وقع الحصار والقصف، بعد أن اتضحت الأجندات الإسرائيليّة.

وزير الدفاع الإسرائيلي إيسرائيل كاتس استشاط غضبًا خلال الأيام الماضية إثر نشرِ حماس فيديو لرهينتين، متوعدًا بفتح أبواب الجحيم، متجاهلًا بأنّ أسراه ومحتجزيه في الجحيم ذاته، في وقت صعدت إسرائيل قصف البنايات والأبراج السكنيّة، مع وضوح الهدف الإسرائيلي القديم المتجدد؛ وهو تهجير سكان غزّة وتفريغها قسرًا من أهلها. لكن كيف وإلى أين؟

مصر اليوم في عين العاصفة بعدما اتهم مكتب نتنياهو مصر وساق الأكاذيب تجاهها باعتبارها تقيد حركة سكّان القطاع عبر معبر رفح، مدعيًا بأنّه قادرًا على فتحه ولكنّ القاهرة هي من ستقوم على غلقه؛ بمعنى أنّه يحرض على مصر، ونتنياهو زعم بأنّ الخروج من قطاع غزّة هو حقٌ لكل فلسطيني، متجاهلًا بأنّ إسرائيل هي من تحاصر القطاع من البر والبحر والجو، وتقصفه وتدمرُ بناه التحتيّة.

ويبقى السؤال من حول غزّة إلى سجنٍ كبير ثم تحدث عن حرية الخروج منه؟ ومن الذي يتحدث عن فتح معبر رفح ليس حبًا في إنقاذ المدنيين؛ بل لفتح بوابة تفريغ غزّة من أهلها؟!.

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ