أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الخوالدة يكتب: ما بعد القمة.. ومفهوم العتبة الاستراتيجي


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: ما بعد القمة.. ومفهوم العتبة الاستراتيجي

مدار الساعة ـ

انعقاد القمة العربية الأخيرة لم يكن بروتوكولًا عابرًا، بل محطة فارقة بثّت ارتياحًا عامًا، لأنها جاءت بمخرجات تبعث على الأمل، شريطة أن تُترجم إلى خطوات ملموسة تحفظ للأمة مكانتها وتصون حقوقها. بارك الله في قمة الدوحة ومخرجاتها، وبارك الله بكل بلاد العرب وجعلها موحدة وقوية.

وقد جاء صوت جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المفدى صريحًا وحادًّا حين قال: «العدوان الإسرائيلي المستمر منذ عامين على غزة يستهدف شعبًا بأكمله … والرد يجب أن يكون واضحًا، حاسمًا، ورادعًا». كلمات الملك لم تكن توصيفًا سياسيًا فحسب، بل حدّدت معيارًا أخلاقيًا واستراتيجيًا لما يجب أن يكون عليه الموقف العربي، إذ لا مجال بعد اليوم للمراوغة أمام دماء الأطفال ومعاناة المدنيين.

وعلى الضفة الأخرى من خطاب القمة، شدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «الأمن القومي العربي وحدة لا تتجزأ، والتكاتف العربي هو السبيل الوحيد لمواجهة الأخطار». هنا تتجلى حقيقة أن مصر كانت وستظل أمل الأمة، فهي التي صمدت في وجه العدوان الثلاثي عام 1956، وحملت راية الكرامة في حرب الاستنزاف، وسطرت مع العرب ملحمة أكتوبر.

لكن التاريخ يذكّرنا أن العدو لم يكفّ يومًا عن فرض "عتبة" لا يُسمح لنا بتجاوزها. ففي عام 1956 كان العدوان الثلاثي على مصر عقوبةً على تجاوز حدود القوة المرسومة بعد تأميم قناة السويس، كما يعكس تاريخ الأردن والكرامة واللطرون وباب الواد صمود شعوبنا أمام أطماع القوى الكبرى. وفي 2003، فُرض على العراق تدمير صواريخ "الصمود-2" رغم أنها لم تكن لتغير نتيجة المعركة، فقط ليُبقى العراق "دون العتبة"، محرومًا من أبسط مقومات الردع.

إنها السياسة ذاتها التي تتوارثها القوى الكبرى: إبقاء العرب في دائرة عجزٍ بنيوي، وإفراغ قوتهم من مضمونها، ومنعهم من تجاوز السقف المرسوم.

وأرى أن مفهوم "العتبة" ليس مجرد حدود يفرضها العدو، بل ما نزرع نحن ونأكل مما نخيط ونصنع كل شيء أو أغلبه، وما نحققه من شراكات كبيرة في عالم يحترم الأقوى. فالأمة القوية، التي تعتمد على نفسها وتبني أدواتها الاقتصادية والعسكرية، تستطيع أن تتجاوز أي سقف مفروض وتعيد رسم قواعد اللعبة.

وقد أثبت العدو الصهيوني باستهدافه للدوحة أنه لا يضمر إلا الشر لجميع العرب والمسلمين، وأن من مسلّمات التعامل معه الاستعداد للأسوأ وخوض الحرب عند الضرورة. إن العزلة المفروضة عليه لا تكفي ما لم تُقترن بشعوره بأننا نملك القوة الرشيقة للتعامل معه وردعه؛ فيا رب كن مع الشعوب العربية والإسلامية.

وما هو معروف أن فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة قد تسارعت بشكل ملحوظ، وهي فكرة عملية جدًا خاصة بين الدول التي تنتهج سياسات متقاربة فيما بينها. ولا بد أن نشير إلى أن كل دولة عربية تتميز بسمات أمنية معينة مفيدة في أي تحالف: فهناك دول تعتمد على تسليح شرقي أو غربي، وأخرى تمتلك أحدث منظومات السلاح، ودول تركز على الحروب السيبرانية، وأخرى على المسيرات والدفاع الجوي والعمليات الخاصة، فضلًا عن دول تتمتع بمناطق استراتيجية. والتحدي الأكبر يظل في كيفية توليف هذه القوى رغم اختلاف منشأ السلاح وتباين الرؤى السياسية.

ونعود هنا إلى حجر الزاوية: حياة كريمة لشعب فلسطين، دولة فلسطينية مستقلة، واقتصاد تعاوني بين الدول العربية، وتوحيد المصطلحات الإدارية، وتطوير الصناعة والتجارة والزراعة. ولا ننسى البُعد المعرفي: البحث العلمي، ودعم العلماء والريادة، وتغليب صوت الحكمة، وكبح جماح الخطاب الديني المتطرّف، وترسيخ الاعتدال وعدم الإقصاء — فبناء قوة حضارية متكاملة لا يكتمل دون علمٍ راسخ ومؤسسات فكرية مستقرة تحصّن المجتمعات.

ولا ننسى سلة غذاء الأمة العربية: السودان، وكل ترابٍ عربي، وكل دولة من دول الإسلام، فالغذاء ركيزة الأمن القومي وأحد أعمدة الاستقلال والسيادة.

ولا شك أن للسعودية وقطر والكويت والإمارات وعُمان واليمن والعراق وكافة دول الخليج دورًا مركزيًا، وكذلك لكل الدول العربية من المغرب إلى الجزائر وتونس ومصر وليبيا والسودان وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، بل كل أرض عربية من المحيط إلى الخليج، لتتشكل إرادة جامعة تُعيد للأمة حضورها في ميزان القوى العالمي.

اللهم اجمع كلمة الأمة، وهيّئ لها من أمرها رشدًا، واضرب الظالمين بالظالمين، وردّها إليك ردًا جميلًا، وبارك الله بكل بلاد العرب والمسلمين.

مدار الساعة ـ