البلدان اللذان عليهما أن يقلقا حتى النخاع من نتائج "قمة الدوحة" هما الأردن ومصر، ويليهما سوريا ولبنان.
فقد بدت نتائج القمة منفصلة تمامًا عن الواقع، إذ لم تقدّر خطر الكيان الصهيوني تقديرًا صحيحًا تبنى عليه قرارات حاسمة، وكان عدم انعقادها خيارًا أفضل من وضع الأمتين العربية والإسلامية في هذه الحالة من الانكشاف.الأردن ومصر يدركان أن قمة بلا "مخالب" ستكون شديدة الخطورة عليهما. ولهذا جاء خطاب الملك عبد الله الثاني، وكذلك خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصف "إسرائيل" بالعدو، واضحًا في توصيف الوضع الراهن. دعوة الملك لإجراءات عملية كانت الأكثر وضوحًا ودفعًا نحو فعل حقيقي يلجم الكيان الصهيوني. لكن ذلك لم يحدث، إذ تجاهلت القمة هذه الدعوات، ففاقمت الأخطار على عمان والقاهرة.البلدان مستهدفان مباشرة بالتهجير: من غزة إلى مصر، ومن الضفة الغربية إلى الأردن. والأردن أكثر من سيدفع ثمن تصفية القضية الفلسطينية بضم الضفة وفرض السيادة عليها. الأخطر أن هذه التصفية تجري بالتوازي مع مخططات تقسيم سوريا ولبنان إلى كيانات تابعة للكيان، مع قضم مساحات واسعة من جنوبي البلدين."إسرائيل" لا تتحرك بمعزل عن الولايات المتحدة، فمشروعهما واحد، وما يبدو من تباين في المواقف ليس إلا خداعًا استراتيجيًا. ومصر، الدولة الكبرى، لن تُترك بحالها. الكيان لن يقبل بوجود القاهرة كقوة سكانية وجغرافية مهدِّدة له، ولهذا سيجري استحضار مشاريع تقسيمها إلى كيانين على الأقل، لإضعافها وضمان ألا تعود لاعبًا مؤثرًا.يُضاف إلى ذلك أن مسؤولين إسرائيليين لوّحوا مرارًا باستخدام سلاح المياه والغاز للضغط على الجوار. فقد تحدّث بعضهم عن إمكانية قطع المياه والغاز عن الأردن، والتلويح بوقف إمدادات الغاز إلى مصر، في سياق تهديد مباشر يكشف أن ما يُحاك ضد عمان والقاهرة ليس مجرد سيناريو بعيد، بل خطة عملية يجري التلويح بأدواتها يومًا بعد آخر. هذه التهديدات تأتي لتؤكد أن السيطرة على الموارد جزء من استراتيجية الإخضاع، وأن الأردن ومصر مستهدفان ليس فقط بأمنهما القومي بل أيضًا بلقمة عيش شعبيهما.بعد أن استنفدت تقسيمات سايكس ـ بيكو أغراضها، ترى واشنطن وتل أبيب أن الهيمنة الكاملة لا تتحقق إلا بتقسيم المنطقة عرقيًا وطائفيًا، لإشغال الكيانات الجديدة بنفسها، فتسعى مضطرة إلى التحالف مع "إسرائيل" لضمان بقائها. وبوصفها قلعة وظيفية للغرب، يجب أن تبقى اليد العليا بيدها وحدها.. "الشرق الأوسط الجديد" الذي تتحدث عنه أميركا وإسرائيل ليس سوى كيانات ضعيفة وهشة، وجودها مرهون بتحالفها مع الكيان.الأردن يعي عمق هذه المخططات وخطرها الوجودي عليه، ومن دلالاتها ضم الضفة، وإنشاء فرقة عسكرية تحمل اسم "جلعاد"، والتخطيط لممر "داود". والأخطر ما يُطرح من حين لآخر لتبرير إنشاء فرقة "جلعاد" على الحدود، بحجة التصدي لتسلل إيراني عبر مليشيات عراقية وحتى حوثية أو قوى فلسطينية. هذا لا يعني سوى أن الكيان يفتعل المبررات المسبقة للإضرار بالأردن ساعة يشاء.بعد هذه القمة الفاشلة، لم يعد أمام الأردن ومصر سوى التفكير بمقاربة مشتركة، تُبنى عليها استراتيجيات وتكتيكات لمواجهة أخطار الكيان.مقاربة تقوم على جرّ الجميع، عربًا ومسلمين، ليكونوا جزءًا من المواجهة.. أما القمم العربية التقليدية، فلا جدوى منها، فهي لا تزيد عمّان والقاهرة إلا انكشافًا. المطلوب تفكير مختلف، يحشد الجميع بعيدًا عن القاعات الفارهة والخطاب الإنشائي، فالأمن القومي لا يُحمى بالتصريحات بل بالفعل المنظم والقرار الشجاع.
السعايدة يكتب: الانكشاف العربي والخطر على الأردن ومصر

راكان السعايدة
نقيب الصحفيين الأردنيين السابق
نقيب الصحفيين الأردنيين السابق
مدار الساعة ـ