أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الضمور يكتب: الزيارة الأميرية القطرية إلى الأردن.. قراءة استراتيجية في سياق التحديات الإقليمية


د. محمد خير فيصل الضمور

الضمور يكتب: الزيارة الأميرية القطرية إلى الأردن.. قراءة استراتيجية في سياق التحديات الإقليمية

مدار الساعة ـ
الضمور يكتب: الزيارة الأميرية القطرية إلى

تمثل زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى المملكة الأردنية الهاشمية في السابع عشر من أيلول 2025، حدثًا مفصليًا في مسار العلاقات الثنائية وفي المشهد الجيوسياسي العربي. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية أو عابرة، بل جاءت في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، بعد القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، وفي ظل العدوان الإسرائيلي على الأراضي القطرية وتوسع العمليات العسكرية في قطاع غزة. ومن هنا، فإنها تحمل دلالات استراتيجية عميقة، وتؤشر على مرحلة جديدة من التفاهم العربي – العربي، قائمة على التعاون الاستباقي في مواجهة التحديات.

البعد الاستراتيجي: التوقيت والدلالات

إن توقيت الزيارة يكتسب أهمية خاصة لارتباطه بثلاثة مسارات متزامنة:

1. تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية في غزة ومحاولات فرض وقائع ديموغرافية عبر التهجير القسري.

2. الحراك السياسي المرتبط بالمحادثات الأمريكية – الإسرائيلية – السورية.

3. الاستعدادات لإطلاق خارطة طريق جديدة للسلام في المنطقة.

وفقًا لمنهجية تحليل النظم الإقليمية، فإن زيارة الأمير تميم إلى الأردن تعكس إدراكًا مشتركًا بين الدوحة وعمّان بأن اللحظة التاريخية لا تحتمل الحياد، وأن الاصطفاف العربي المتماسك هو الخيار الأكثر واقعية لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية.

البعد الأمني: تضامن في إطار الأمن الجماعي

من منظور نظرية الأمن الجماعي في العلاقات الدولية، تؤكد الزيارة على رفض انتهاك السيادات الوطنية ورفض الاعتداء على أي دولة عربية باعتباره اعتداءً على المنظومة العربية برمتها. الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، وقطر بقيادة سمو الأمير تميم، جسدا في لقائهما مفهوم الدفاع المشترك عن المصالح القومية، وأرسلا رسالة واضحة أن كلفة المساس بالحقوق العربية ستكون عالية.

الأبعاد السياسية والاقتصادية

على المستوى الثنائي، أُعلن عن تفعيل اللجنة العليا الأردنية – القطرية المشتركة، بما يمهد لتوسيع التعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز الشراكات في مجالات الطاقة والأمن الغذائي، إضافة إلى فتح آفاق جديدة في التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.

أما على المستوى الإقليمي، فقد أعادت الزيارة تثبيت القضية الفلسطينية كبوصلة رئيسية للسياسات الخارجية في البلدين، وأكدت على دور الدوحة في الوساطة الدبلوماسية، وعلى مركزية الدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. كما برز التنسيق المشترك في ملفات سوريا ولبنان، ما يعكس سعيًا لإيجاد مقاربة عربية أكثر استقلالية في إدارة الأزمات.

مقارنة السياسات الخارجية: تقاطعات استراتيجية

بتطبيق نموذج تحليل السياسة الخارجية (FPA)، يمكن رصد تقارب واضح بين الأردن وقطر في ثلاثة محاور رئيسية:

1. الرؤية المشتركة تجاه بناء نظام أمن إقليمي قائم على احترام السيادة.

2. تفضيل الحلول السياسية للأزمات على الخيار العسكري.

3. تعزيز مكانة القوى المتوسطة (Middle Powers) في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.

رمزية اللقاء: من السياسة إلى الأخوة

إلى جانب المعطيات الاستراتيجية، حملت الزيارة رمزية بالغة حين قلّد جلالة الملك عبد الله الثاني سمو الأمير تميم قلادة الحسين بن علي، أرفع وسام أردني. لم يكن ذلك تكريمًا بروتوكوليًا فحسب، بل تجسيدًا لعُمق الأخوة والوفاء، وإشارة إلى أن التضامن الأردني – القطري يتجاوز المصالح الآنية ليؤسس لشراكة تاريخية طويلة الأمد.

الخاتمة: نحو شراكة عربية مستدامة

إن زيارة الأمير تميم إلى الأردن شكلت نموذجًا ناجحًا للدبلوماسية العربية الثنائية الفاعلة. فقد تمكنت من:

1. تحويل التحديات الراهنة إلى فرص لتعزيز التعاون الاستراتيجي.

2. تثبيت التضامن العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

3. وضع أسس لشراكة إقليمية مستدامة قائمة على التكامل لا التنافس.

توصيات مستقبلية:

1. تفعيل آليات التنفيذ السريع للاتفاقيات الثنائية لتفادي البيروقراطية.

2. توسيع مجالات التعاون لتشمل التكنولوجيا والتحول الرقمي.

3. إنشاء مرصد أردني – قطري مشترك للإنذار المبكر ورصد الأزمات الإقليمية.

لقد أكدت هذه الزيارة أن العلاقات الأردنية – القطرية ليست مجرد علاقات ثنائية بين دولتين، بل هي نموذج لعروبة أصيلة ترفض الانكسار أمام الضغوط، وتصرّ على أن الأمن القومي العربي لا يُصان إلا بالتكامل والتضامن.

المراجع:

1. البيان المشترك للديوانين الملكي والأميري (17 أيلول 2025).

2. تقارير معهد الدراسات الاستراتيجية – الأردن (2025).

3. دراسات مركز الجزيرة حول السياسة الخارجية القطرية (2024–2025).

4. وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

مدار الساعة ـ