مدار الساعة - صالح الخوالدة -في الجبيهة، يطلّ مشهد لا يشبه سواه؛ عامل وطن بملابسه المتواضعة، يزيح عن الطرقات غبارها، ثم يقف بين يدي الله إمامًا يزيح عن القلوب غفلتها.
إنّه حمزة وشاح، الرجل الذي حمل عمله في النهار، وحمل القرآن في الليل، فصار صوته العذب يعلو على كل تعب، ويذيب الفوارق بين الناس في محراب واحد.حمزة ليس مجرد عامل؛ هو ابن الحياة المكافحة. دبلوم صناعي، مدرّب ملاكمة معتمد من الاتحاد الأردني، ومدرّب في نادي يرموك – البقعة. ضاقت به السبل بعد جائحة كورونا، فأغلق باب الرياضة وعاد إلى الأمانة، يحمل همّ أسرته على كتفيه.يقول حمزة لـ مدار الساعة: اعمل ثلاثين يومًا بلا انقطاع، من أجل راتبٍ بالكاد يبلغ ٣٧١ دينارًا، ثم يواصل ليله في جمع الخردة. يسكن بالإيجار، فقد احدى طفلتيه، وبقيت له أخرى تملأ البيت نورًا وحنينًا. ومع ذلك، لا يترك على محيّاه سوى ابتسامة صابرة تليق بقلوب العظماء.وحين يرفع صوته بالقرآن، تذوب المتاعب كلها. يقدّمه المصلّون منذ أربع سنوات، يقولون إن قراءته خاشعة وصوته يلامس الأرواح. خلفه يقف العلماء وطلاب العلم والتجار والفقراء على حد سواء، في مشهدٍ لا تراه إلا في الأردن: عامل وطن يعلو بهم إلى السماء، وصوت يسكب الطمأنينة في القلوب كأنه نداء من الجنة.ومع كل ذلك، ما زال الحلم في عينيه يقاوم. حلم أن يجد مكانًا في المرافق الرياضية بالأمانة حيث قدم طلباً للمسؤولين في الامانه لنقله الى هذه المرافق، حيث عشقه القديم للرياضة والتدريب. حلم أن يلتحق يومًا بالأوقاف ليؤم الناس بصفةٍ رسمية كما يفعل حبًا واحتسابًا اليوم. لكن حتى وإن تأخرت الأبواب في الفتح، فإن الله فتح له أعظمها: باب القرآن، وباب القلوب التي اجتمعت خلفه.قصة حمزة وشاح ليست مجرد سيرة عابرة؛ إنها درس مكتوب بالعرق والدمع والإيمان. يعلّمنا أن الشرف لا يُقاس بالرتب، بل بالصبر على البلاء والإخلاص في العمل. وأن الإمام قد يكون عامل نظافة، والمدرّب قد يكون بائع خردة، لكنّ الله يرفع من يشاء بالصدق والخشوع. وكما يقول حمزة نفسه: "هاي رابع سنة أكسب أجرهم، وهم يكسبوا أجرنا".في الأردن.. عامل وطن يؤم العلماء وطلاب العلم والتجار (صور)
مدار الساعة ـ












