أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الكساسبة يكتب: نحو ناتو إسلامي اقتصادي.. رؤية لتغيير ملامح النظام العالمي


الدكتور حمد الكساسبة
وزير المالي الأردني الأسبق

الكساسبة يكتب: نحو ناتو إسلامي اقتصادي.. رؤية لتغيير ملامح النظام العالمي

الدكتور حمد الكساسبة
الدكتور حمد الكساسبة
وزير المالي الأردني الأسبق
مدار الساعة ـ

تعود فكرة "الناتو الإسلامي" إلى الواجهة مجددًا، خصوصًا بعد الاتفاقيات الاستراتيجية الأمنية بين بعض الدول الإسلامية الكبرى مثل السعودية وباكستان. غير أن بُعدًا آخر يستحق النقاش يتمثل في إمكانية تحويل هذه الفكرة من إطار عسكري إلى مشروع "ناتو اقتصادي إسلامي"، يعزز التكامل بين الدول الإسلامية ويمكّنها من أن تكون فاعلًا مؤثرًا في صياغة النظام الاقتصادي العالمي.

يمتلك العالم الإسلامي قاعدة بشرية وموارد هائلة، إذ يشكل سكانه أكثر من 1.9 مليار نسمة أي نحو ربع سكان العالم، ويغطي مساحة تزيد على 30 مليون كيلومتر مربع. وعلى صعيد الطاقة، تملك الدول الإسلامية ما يقارب 55% من احتياطي النفط العالمي ونحو 45% من احتياطي الغاز الطبيعي، إضافة إلى موقع جغرافي استراتيجي يربط الشرق بالغرب. ومع ذلك، فإن مساهمة هذه الدول مجتمعة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا تتجاوز 10% تقريبًا، ما يكشف فجوة كبيرة بين الإمكانات المتاحة والوزن الاقتصادي الفعلي.

إن نقطة الانطلاق لمثل هذا المشروع لا تكمن في بناء مؤسسات جديدة بالكامل، بل في تفعيل ما هو قائم مثل منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية ومجلس التعاون الخليجي. غير أن المطلوب هو الارتقاء بهذه الأطر إلى مستوى أكثر فاعلية، من خلال تعزيز التجارة البينية التي لا تتجاوز اليوم 15% فقط من إجمالي التجارة الخارجية للدول الإسلامية، وتشجيع تدفق الاستثمارات المشتركة، وتطوير الصناعات العابرة للحدود.

ولتحقيق ذلك، يمكن اعتماد خطوات مرحلية تبدأ بإنشاء منطقة تجارة حرة إسلامية، ثم تطوير اتحاد جمركي، وصولًا إلى سوق مشتركة وربما عملة موحدة على المدى البعيد. كما يمكن الاستثمار في الطاقة المتجددة والأمن الغذائي، وهما ملفان حيويان لضمان الاستقلالية وتقليل التبعية للخارج.

غير أن التكامل الاقتصادي لم يعد مقتصرًا على الصناعة والطاقة فحسب، بل أصبح مرتبطًا بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. فبناء منصات رقمية موحدة، واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الصحة والتعليم والتمويل الإسلامي، سيمنح الاقتصادات الإسلامية قفزة نوعية. كما أن تشجيع البحث العلمي والابتكار المشترك يمكن أن يفتح آفاقًا أوسع للتنافسية العالمية.

وتبقى العلاقة مع القوى الكبرى والتكتلات الاقتصادية العالمية عنصرًا محوريًا. فنجاح "ناتو اقتصادي إسلامي" يتطلب صياغة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وأوروبا على أساس الشراكة، وتعزيز التعاون مع الصين والهند وروسيا ضمن مبادرات استراتيجية كـ"الحزام والطريق". فالعالم الإسلامي بموقعه الممتد من الأطلسي إلى الباسيفيك يمكن أن يكون عقدة للتجارة العالمية وممرًا رئيسيًا للطاقة.

إن مثل هذا المشروع لا يهدف إلى القطيعة مع العالم، بل إلى بناء شراكات أكثر عدلًا، تنقل الدول الإسلامية من موقع المتأثر إلى موقع المؤثر. وهو مشروع يوازن بين الانفتاح على العالم والحفاظ على المصالح الاستراتيجية المشتركة، ويعزز قدرة العالم الإسلامي على مواجهة التحديات الاقتصادية والجيواستراتيجية.

وفي الخاتمة، فإن "الناتو الاقتصادي الإسلامي" لم يعد مجرد حلم نظري، بل خيار استراتيجي تفرضه معادلات القرن الحادي والعشرين. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية وتكاملت الجهود، فإن العالم الإسلامي قادر على أن يتحول من كتلة مبعثرة إلى قوة اقتصادية كبرى، لا تدافع فقط عن مصالح شعوبها، بل تسهم أيضًا في صياغة نظام اقتصادي عالمي أكثر توازنًا وعدلًا.

مدار الساعة ـ