أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الحسبان يكتب: الأردن.. الدبلوماسية الهادئة والاعتراف بالدولة الفلسطينية


فهد الحسبان

الحسبان يكتب: الأردن.. الدبلوماسية الهادئة والاعتراف بالدولة الفلسطينية

مدار الساعة ـ

الأردن لم يتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها ملفًا ثانويًا يمكن تجاوزه، بل بوصفها محورًا رئيسيًا في أمنه الوطني ومكانته الإقليمية ودوره الدولي. هذه القناعة الراسخة هي ما يفسر إصرار جلالة الملك عبد الله الثاني على إبقاء القضية الفلسطينية في صدارة الأجندة العالمية، في وقت تحاول فيه قوى عديدة إغراقها في تفاصيل الصراعات الإقليمية أو إبعادها عن دائرة الاهتمام الدولي. ومنذ سنوات طويلة، حرص الأردن على تثبيت خطاب واضح في المحافل الدولية، يقوم على التأكيد أن السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وخلال السنوات الأخيرة، برزت تحركات أردنية متقدمة في هذا الاتجاه، إذ عمل جلالة الملك على الدفع نحو اعتراف دولي أوسع بالدولة الفلسطينية. هذا الطرح لم يكن معزولًا عن السياق الدولي، بل جاء مدعومًا بتقاطع مصالح إقليمية ودولية، وفي مقدمها الموقف الفرنسي والسعودي. فرنسا، التي ما زالت حريصة على لعب دور في شرق المتوسط وترى نفسها وريثة لمفهوم الشرعية الدولية، وجدت في المبادرة الأردنية فرصة لإحياء خطاب العدالة وإعادة تحريك المياه الراكدة في ملف السلام. أما السعودية، بثقلها العربي والإسلامي وبعودتها إلى الواجهة السياسية الإقليمية، فقد وفّرت غطاءً استراتيجيًا لهذا الطرح، وأعطته بعدًا عربيًا جامعًا يتجاوز حدود البيانات التقليدية ويترجم إلى موقف داعم وقابل للتبني على المستوى الدولي.

في المقابل، لم يخلُ المشهد من تناقضات مؤسفة. فقد برزت أصوات، بعضها كان يومًا محسوبًا على الدولة الأردنية نفسها، سخرت من جدوى حل الدولتين او الفكرة أساسًا واعتبرته مجرد أحلام شخصية أو نقاشات لا تتجاوز جدران المنازل. مثل هذا الخطاب يعكس قصورًا في الرؤية السياسية، وعجزًا عن إدراك أن السياسة تقاس بقدرة الدول على التقاط اللحظة التاريخية المناسبة وتحويلها إلى مكسب استراتيجي.

ورغم الزخم الأردني والدعم الإقليمي والدولي، فإن فرص السلام العادل تبقى ضبابية . فإسرائيل بطبيعتها التوسعية لم تقدّم يومًا تصورًا حقيقيًا لدولة فلسطينية قابلة للحياة، بل واصلت تعزيز منطق الاستيطان والضم وفرض الأمر الواقع. وعلى الجانب الآخر، فإن القيادة الفلسطينية ما زالت تراهن على الشرعية الدولية أكثر مما تبني أوراق قوة داخلية، وهو ما عبّر عنه الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة حين تحدث عن دولة فلسطينية “منزوعة السلاح”، وكأنها دولة منقوصة السيادة منذ لحظة التأسيس.

ولا يمكن قراءة المشهد الراهن بمعزل عن الموقف الأمريكي، خصوصًا في ظل اجتماع الجمعية العامة يوم أمس، الذي شهد مقاعد فارغة للأمريكيين والإسرائيليين، في إشارة واضحة إلى حالة الترقب والقلق الدولي. الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، يستعد لطرح مبادرة على قادة عرب ومسلمين تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، لكنها قد تثير خيبة أمل إذا جاءت مشابهة لمبادراته السابقة، التي أعطت إسرائيل مكاسب أحادية ولم تأخذ بعين الاعتبار الرؤية العربية أو الحقوق الفلسطينية.

ترامب لم يخفِ يومًا إيمانه بالرؤية التوسعية لإسرائيل، فقد وصفها ذات مرة بأنها “دولة صغيرة للغاية حققت الكثير رغم صغر حجمها.” وفي إطار مقاربته لقطاع غزة، أشار بشكل مقتضب إلى إمكانية تدخل أمريكي مباشر لإعادة صياغة الوضع السياسي والاقتصادي هناك، بما يعكس اهتمامه بالمصالح الإسرائيلية أكثر من الحقوق الفلسطينية.

ولقيت هذه المقاربات سابقًا ممانعة شديدة من الأردن ومصر، اللتين أكدت كلتاهما أن أي حلول مستقبلية لا يمكن أن تتحقق على حساب الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني أو من دون التوافق العربي

على صعيد اخر إن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، إذا ما تطور إلى عضوية كاملة في الأمم المتحدة، لن يكون خطوة رمزية بل تحولًا استراتيجيًا يعيد تعريف طبيعة الصراع. فالعالم لن ينظر إلى المسألة بوصفها خلافًا على أراض، بل احتلالًا لدولة عضو في المنظمة الدولية. وهذا الاعتراف سيضع إسرائيل أمام مساءلة مضاعفة، كما سيمنح الفلسطينيين أدوات أوسع لملاحقة الاحتلال أمام المحاكم الدولية والهيئات الأممية. أما بالنسبة للأردن فإن هذا التطور سيعزز من موقعه كمرجعية إقليمية ودولية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ويعيد تثبيت دوره التاريخي كجسر ضروري بين الموقف العربي والمجتمع الدولي.

في النهاية، الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس ترفًا سياسيًا ولا شعارًا للاستهلاك الداخلي، بل هو معركة دبلوماسية يخوضها الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بصوت متزن واستراتيجية متماسكة. ورغم ضبابية أفق السلام في ظل دولة توسعية لا تؤمن إلا بمنطق القوة، فإن تثبيت الحق الفلسطيني على أرضية القانون الدولي والمؤسسات الأممية يظل خطوة لا غنى عنها، وهو ما يدركه الأردن جيدًا ويعمل على تكريسه كجزء من رؤيته الوطنية والإقليمية طويلة المدى.

مدار الساعة ـ