أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

حزب الخاتم.. عبد الهادي راجي يكتب


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

حزب الخاتم.. عبد الهادي راجي يكتب

مدار الساعة ـ

حين خرج مروان القاسم من السلطة، احترم نفسه.. لم يتحدث أمام وسائل الإعلام.. لم يكتب مذكراته، لم ينتقد الوضع، لم يتحدث في الهوية.. مع أن سعود الفيصل – رحمه الله – كان يقول عنه: حين يدخل علينا مروان القاسم، كأن على رؤوسنا الطير.. مروان كان عميد الدبلوماسيين العرب.

وحين خرج طارق علاء الدين من السلطة، ظل في منزله يهاتف الأصدقاء.. ويزورهم، كان يكره الإعلام ولا يحب حتى ظهور صورته في الصحف.. ومشهورة هي القصة التي حذر فيها محمود الكايد من نشر صورته في الرأي حين تسلم جهاز المخابرات.

أحمد علاء الدين، كان بإمكانه أن يروي عملية فندق الأردن للصحافة، كان بإمكانه أن يطل على الجزيرة ويتحدث عن أيلول، وتلك الايام.. لكنه رحل بصمت وترك الدنيا، لم يحب المايكريفونات ولا الصور، ظل مخلصاً للبندقية والتراب.

حتى عبدالإله الخطيب، الذي عاصر أزمة ليبيا وكان مبعوثاً أممياً، والذي عرف تفاصيل الثورة هناك، وعاش زمناً من عمره وزيراً لخارجية الأردن ظل صامتاً منزوياً، وطلَّق الإعلام إلى غير رجعة..

الجنرالات وقارهم في صمتهم.. مشعل الزبن هو الآخر ترك الجيش، وجلس في منزله، تارة يسافر وتارة يجلس على شرفة الدار، حتى المناسبات اعتكف عن حضورها.

أحياناً أحزن على حال الذين خرجوا من السلطة، كلما هاتفهم متدرب أو محطة من أجل انتاج (بود كاست) حجوا إليها مدججين بربطات العنق، والثرثرة.. والأحاديث التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

هل بلدنا يحتاج لكل هذه التصريحات؟.... يعجبني جنرال تقاعد منذ فترة، لم يترك منبرا إلا وأطل عليه، وتشعر أحيانا لكثرة انفعاله أنه أدار معركة (العلمين).. وتحتار في حديثه، وحين تتأمل وتعيد المقابلة أكثر من مرة.. تشعر أنه كان منقذا للأمة، وأنه تسلم جيوش الحلفاء من الجنرال (عمر برادلي).. وهو من دخل برلين.

الأردن لا يحتاج لكل هذه الثرثرة، والوطنية الأردنية لم تكن تعني يوما، نقد الآخر وتهشيمه واتهامه بأنه سبب الخراب، الأردن متعب أكثر من أي وقت مضى وأظن أننا في هذه اللحظة نحتاج لمشروع يتم فيه إسكات الطبقة السياسية الحالية، أو على الأقل منعها من الحديث باسم الهوية أو باسم الدولة، أو باسم الناس.. الإعلام خلق لكي يعبر عن نبض الناس وأوجاعهم، لكي ينقل رسالة الشعب، ولكي يكون وسيلة النقد والمراقبة، إلا إعلامنا خلق لكي يكون منصات لبقايا مسؤولين تاه بهم الشيب وتاهت بهم أحلام العودة للكراسي، ونصبوا أنفسهم ناطقين باسمنا.

بلادنا متعبة، والقلق يسكن شوارعها، بلادنا يغيب فيها صوت العقل، لصالح ثلة ممن يسمونهم بالنخبة، تسللوا إلى مفاصل ومفاتيح الإعلام، وصاروا هم من يقومون بصياغة روايتنا وموقفنا، والمشكلة أن الدولة صارت هي من تتبع روايتهم وليس العكس.

في فترة الثمانينات، كان الضباط حين يتقاعدون، يجلسون في منازلهم.. يغادرونها فقط لأجل حضور مناسبات اجتماعية، وكنت ألمح دائما في وجوههم الصمت، وأكثر ما كان يثير انتباهي فيهم، هو أنهم يصرون على ارتداء الخاتم الذي سلم لهم حين أنهوا دورة الأركان، أو الخاتم الذي يحمل شعار الجيش العربي والذي ارتدوه حين تقلدوا الرتب الأعلى، قال لي ابن أحدهم يوماً: حين توفي والدي المتقاعد، وغسلناه وقمنا بتكفينه، بقينا ساعات نحاول نزع الخاتم الذي يحمل شعار الجيش من يده، لكننا لم نستطع.. يبدو أنه غادر الحياة لكن الجيش رفض أن يغادر جسده حتى وهو ميت.

أنا من حزب ( الخاتم)، من الحزب الذي كان الرضا ديدنه، من الحزب الذي لم يؤمن (بالنطنطة) على المحطات، من الحزب الذي كان الوقار والهيبة دربه والمسار والبداية والمنتهى، أنا من حزب (الخاتم)..

ويسألني صاحبي كل يوم لماذا توقفت عن الكتابة في الرأي، كلما داهمني أحدهم بهذا السؤال أروي له قصة الخاتم الذي ظل وفيّاً لإصبع صاحبه ورفض أن يغادره.. أخبره أيضاً أني تركت المهنة التي أعيش منها، ولا أعرف غيرها.. للذين خلعوا الخاتم مبكراً، وتحولوا من مسؤولين سابقين وجنرالات متقاعدين إلى كتاب يعلموننا أساسيات النحو وأصول البلاغة.. ماذا تبقى من مساحات كي يزاحموننا عليها؟..

الأردن أكبر من كل هذا، ولا يحتاج لهذا الكم من (الثرثرة).

مدار الساعة ـ