أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: التربية بالقيم.. حين نزرع الثبات في زمن المتغيّرات


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: التربية بالقيم.. حين نزرع الثبات في زمن المتغيّرات

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

في عالم تتسارع فيه الأيام، وتتشابك فيه الأصوات، لم يعد التحدي أن نعلّم أبناءنا كيف يقرأون ويكتبون فحسب، بل كيف يحافظون على جذورهم وسط رياح عاصفة، وكيف يجدون بوصلتهم في زمن تتداخل فيه الطرق.

القيم ليست كلمات محفوظة ولا شعارات مكررة، القيم هي ذلك النور الخفيّ الذي يحمي أبناءنا من الانجراف، وهي اليد التي تشدهم إلى الطريق الصحيح حين تتقاذفهم مغريات الحياة.

حين نغرس في الطفل قيمة الصدق، فإننا نمنحه مفتاح الطمأنينة، ونعلّمه أن الحقيقة قد تكون أثقل من الكذب لكنها دائمًا أكرم.

وحين نعلّمه الاحترام، فإننا لا نعلّمه أن ينحني، بل أن يقف شامخًا وهو يعترف بكرامة الآخر.

وحين نربّيه على الصبر، فإننا نمنحه زادًا في رحلة الحياة، فلا يسقط عند أول عقبة ولا يتراجع عند أول عثرة.

التربية بالقيم لا تتحقق بالمواعظ الجافة، ولا بالخطب الطويلة، بل بالقدوة التي تتجسّد أمام الطفل في تفاصيل الحياة اليومية.

في كلمة صادقة يسمعها، في موقف عادل يراه، في سلوك رحيم يلمسه.

فالطفل يتعلّم القيم أكثر مما يُلقَّنها، يراها في عيون والديه، يسمعها في نبرة معلمه، يلمسها في أفعال من حوله.

ولذلك، فإن التربية الحقيقية تبدأ من البيت، حيث الكلمة الأولى والصورة الأولى، وتمتد إلى المدرسة التي تُكمل البناء وتعمّقه.

فالمدرسة التي تكتفي بتعليم الكتابة والحساب دون غرس القيم، كمن يبني بيتًا جميلًا بلا أساس؛ قد يلمع للحظة لكنه ينهار عند أول هزّة.

القيم هي ما يبقى بعد أن ينسى الأبناء ما حفظوه من نصوص، وهي ما يضيء الطريق حين تنطفئ الأضواء من حولهم.

هي الأمان حين يتشوش العالم، وهي الثبات حين يهتز كل شيء.

فلنزرع في أبنائنا قناعة أن النجاح بلا قيم سراب، وأن المال بلا قيم عبء، وأن العلم بلا قيم خطر.

وليكن سؤالنا الدائم: *ماذا سيبقى في أبنائنا حين نغيب؟*

لن يبقى غير ما زرعناه فيهم من صدق، وما غرسناه في أرواحهم من مبادئ، وما أشعلناه في قلوبهم من نور.

فليكن مشروعنا الأكبر أن نربّي جيلًا لا يملك المعرفة فقط، بل يعرف كيف يستخدمها في الخير، جيلًا يحمل قلبًا نقيًا وعقلًا ناضجًا، ليكون شاهدًا أن القيم ليست كلمات، بل حياة تُعاش.

مدار الساعة ـ