أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

شقمان يكتب: حين يتكلم العقل في زمن الضجيج.. الملك أمام الأمم المتحدة


الكابتن أسامة شقمان

شقمان يكتب: حين يتكلم العقل في زمن الضجيج.. الملك أمام الأمم المتحدة

مدار الساعة ـ

أنا لا أُسحّج ولا أنافق، ولا أميل عادةً إلى ترديد المديح الذي يرافق خطابات القادة. لكن ما شاهدتُ وسمعتُ في خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الأمم المتحدة، قبل أيام، لم يكن عادياً. لقد بدا أقرب إلى ومضة عقلانية في زمن يغمره الضجيج، وإلى محاولة لإعادة السياسة إلى جوهرها: خدمة الإنسان وحماية كرامته.

عادةً ما تمر خطابات القادة في قاعات الأمم المتحدة كأمواج سريعة، تضج بالشعارات ثم تتحطم على صخرة الواقع. لكن خطاب الملك بدا مختلفًا، كأنه قادم من ضفافٍ أخرى؛ ضفاف يلتقي فيها العقل بالحُلم، والواقعية بالإنسانية. كان الخطاب أشبه بمرآة يرى فيها العالم صورته المتعبة، ثم يسمع في عمقها نداءً يذكّره بما نسيه: إنسانيته.

لم يتحدث الملك بلغة استعراضية، بل بلغة حكمة تعرف أن العدالة ليست مجرد شعار، بل ميزانٌ دقيق يضمن بقاء العالم متماسكًا. وحين تطرّق إلى اللاجئين وضحايا النزاعات وكوكب يختنق بتغير المناخ، بدا صوته أقرب إلى من يسقي شجرة في صحراء كي لا تموت، لا إلى سياسي يلهث وراء مجدٍ شخصي.

الأردن، ذلك البلد الصغير على الخارطة، تجلّى في الخطاب كأنه جسر خفي يربط بين قارتين وروحين: الشرق والغرب. وكأن جلالة الملك أعاد تذكير العالم بأن الاعتدال ليس ضعفاً، بل هو الشجاعة الحقيقية في زمنٍ يتنازع فيه الصخب والانقسام.

جمال الخطاب أنه لم يُقدَّم كوصايا فوقية، بل كدعوة مفتوحة للحوار. وكأن الملك أراد أن يقول: لسنا بحاجة إلى شعارات جديدة، بل إلى قلوب أهدأ وعقول أصفى. في زمن يضيع فيه الإنسان بين ضجيج السياسة وصراع القوى، جاء صوت الأردن ليعيد تعريف السياسة كفنٍّ للحكمة، وجسراً نحو إنسانية أوسع.

خطاب الملك عبد الله لم يكن مجرد كلمات عابرة في قاعة مزدحمة، بل لحظة صفاء نادرة في عالمٍ مضطرب؛ لحظة ذكّرتنا بأن السياسة، إذا تحرّرت من غرورها، يمكن أن تتحول إلى ماءٍ يسقي عطش البشرية، وإلى شجرة تظلّل إنسانيتها المرهقة.

مدار الساعة ـ