أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

المجالي يكتب: توفيَت كلمة 'عيب'


نضال انور المجالي
متقاعد عسكري

المجالي يكتب: توفيَت كلمة 'عيب'

نضال انور المجالي
نضال انور المجالي
متقاعد عسكري
مدار الساعة ـ

"عيب"، كلمةٌ كانت بمثابة بوصلةٍ أخلاقيةٍ في زمنٍ مضى، تحكّمت في العلاقاتِ بأسسٍ من الذوق والاحترام. كانت هذه الكلمةُ، التي تعلمناها من أفواه الأمهات والآباء، منهجاً تربوياً مُختصراً في بضعة أحرف، يُشذّب السلوك ويُقوّم الاعوجاج.

كانت "أكاديمية عيب" تخرّج أجيالاً مُفعمةً بالاحترام والأدب، حيث صنعت زوجاتٍ صابراتٍ كنّ نواةَ المجتمعات المتماسكة، وأنجبت رجالاً كانوا قادةً في الشهامة والرجولة. كانت حروفها المجانية تُعلِّم ما لم تستطِع أغلى الدورات أن تُعلّمه؛ فقد زرعت فينا احترام الصغير للكبير، وتقدير الجار لجاره، وحافظت على صلة الأرحام بمحبةٍ وشوق.

كان الأبُ يقول لابنه: "عيب عمّك، خالك، جارك"، يُعلّمه كيف يُسلّم ويُسامح، ويُربّي فيه المروءة. وكانت الأم تقول لابنتها: "عيب لا ترفعي صوتك، عيب لا تلبسي كذا"، فتربّت الفتيات على الحشمة والستر والأدب. وتعلّم الشباب غضّ البصر، واحترام الكبار، وعدم الاستهزاء بأحد. حتى الصغار تربّوا على ألا ينقلوا أسرار الجيران.

كانت "عيب" منبراً وخطبةً يردّدها الأهلُ بثقافتهم البسيطة، دون الحاجة لأن يكونوا خطباء أو دعاة. هي كلمةٌ بسيطةٌ لإحياء فضيلةٍ وذمّ رذيلة. لكنّنا، في غمرة التمرّد على هذا المفهوم، ظننّا أننا سنُعلّم الأجيال بطريقةٍ أفضل، ففصلنا "العيب" عن "الحرام".

ونتيجةً لذلك، نشأ جيلٌ جديدٌ فشلنا في غرس كلمة "عيب" أو حتى شقيقتها الكبرى "حرام" في سلوكياته، حتى ماتت الكلمة وانتهت من قاموس التربية.

تحيةٌ من القلب للمرحومة كلمة "عيب"، ولكل الآباء والأجداد الذين استطاعوا بكلمةٍ واحدةٍ فقط أن يبنوا أجيالاً تعرف الأدب والتقدير والاحترام، في الوقت الذي أخفقت فيه محاولاتنا بكل أبجديات التربية المُتطورة.

مدار الساعة ـ